القنبلة القذرة: تهديد يشل المدن ويهدد الأجيال

علي الهاشم – باحث ومختص بمجال الدفاع والطيران والأنظمة العسكرية

جاء تصريح من جنرال روسي زعم فيه أنه عثر على وصفة لـ”القنبلة القذرة” في معمل أوكراني، وهو ما يعد تنبيهاً خطيراً وسط الأوضاع العالمية المتوترة حالياً، ويحذر من عواقب استخدام هذا النوع الفتاك من الأسلحة.

ولكي نكتشف أبعاد استخدام هذا النوع الخطير من الأسلحة، والتي يطلق عليها أحياناً “أسلحة التعطيل الشامل” (weapons of mass disruption)، لابد من التفريق ما بين القنبلة القذرة dirty bomb عن القنبلة النووية التقليدية. فالقنبلة القذرة يتم مزج متفجرات تقليدية مع مواد مشعة. وعند الانفجار، تتسبب الحرارة الناتجة عن المتفجرات في تبخر المادة المشعة وتشتتها في الهواء على مساحة واسعة.

ويمكن لهذه القنبلة أن تسبب ذعراً واسعاً بين السكان، مستغلة خوفهم من الإشعاع غير المرئي. لهذا تصنف هذه الأسلحة على انها ليست من فئة الدمار الشامل بل سلاح تعطيل شامل، لأنها يمكن أن تحدث فوضى اقتصادية بجعلها المناطق المستهدفة محظورة لفترة طويلة.

تصنف القنبلة القذرة ضمن أسلحة التعطيل الشامل وليس الدمار الشامل، وذلك لقدرتها على تدمير البنية التحتية وتلويث البيئة، مما يؤدي إلى شلل اقتصادي واجتماعي في المناطق المستهدفة. وعلى الرغم من بساطة مكونات القنبلة القذرة مقارنة بالقنبة النووية، إلا أن تصنيعها وتجميعها يتطلبان مهارات تقنية عالية. يواجه من يصنع هذه القنبلة خطراً كبيراً بالتعرض للإشعاع، ولكن تأثيرات هذا الإشعاع قد لا تظهر إلا بعد فترة، مما قد يشجع بعض الجماعات المتطرفة على استخدامها.

تنتشر المواد المشعة على نطاق واسع في العديد من المجالات الحيوية، من الطب والصناعة إلى البحث العلمي. ففي الولايات المتحدة وحدها، هناك ملايين المصادر المشعة المستخدمة في تطبيقات متنوعة مثل التعقيم الطبي، فحص المواد، واستكشاف الطاقة. هذه الوفرة في المواد المشعة تجعلها متاحة بسهولة، مما يزيد من المخاوف بشأن احتمال استخدامها في تصنيع أسلحة إشعاعية.


على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها الدول لحماية المواد المشعة، إلا أن كميات كبيرة منها تظل عرضة للسرقة أو الضياع. توجد هذه المواد في العديد من الأماكن، بدءًا من المستشفيات ومصانع الصناعات الثقيلة وحتى المخلفات الصناعية. إن سهولة الحصول على هذه المواد تشكل تهديدًا حقيقيًا، حيث يمكن لغير المتخصصين استغلالها لتصنيع أجهزة متفجرة إشعاعية بدائية.

تؤكد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن العديد من الدول تمتلك المواد اللازمة لتصنيع قنابل قذرة. هذا الأمر يجعل التهديد أكثر خطورة، خاصة في ظل غياب أنظمة أمنية فعالة في بعض الدول. وقد شهدنا بالفعل حوادث سرقة مواد مشعة، مثل حادثة السيزيوم 137 في موسكو عام 1995، والتي كشفت عن هشاشة الأنظمة الأمنية في بعض المناطق.

تأثير التعرض للإشعاع

تشكل الإشعاعات الناتجة عن المواد المشعة تهديداً خطيراً على الصحة العامة، حيث يمكن أن تتسبب في مجموعة واسعة من الأمراض، أبرزها السرطان والطفرات الجينية. تقاس شدة الإشعاع بوحدة الغراي، وهي تعبر عن كمية الطاقة الإشعاعية التي يمتصها الجسم. وتختلف آثار الإشعاع باختلاف الجرعة ومدة التعرض، فجرعات الإشعاع العالية قد تؤدي إلى الوفاة بشكل سريع، بينما قد تسبب الجرعات المنخفضة أمراضاً مزمنة تظهر أعراضها بعد سنوات.

عند انفجار قنبلة قذرة، تنتشر سحابة مشعة تحمل جزيئات مشعة مختلفة، مثل جسيمات ألفا وجسيمات غاما. استنشاق هذه الجزيئات يؤدي إلى تدمير الأنسجة الرئوية وزيادة خطر الإصابة بالسرطان. كما أن التعرض للإشعاع الخارجي من هذه السحابة يمكن أن يتسبب في تلف الحمض النووي للخلايا، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطان وأمراض أخرى.

تختلف أنواع الإشعاعات في قدرتها على اختراق الأنسجة. فجسيمات ألفا ذات قدرة اختراق محدودة، ولكنها تسبب أضرارًا كبيرة للأنسجة التي تتلامس معها. أما جسيمات غاما فتمتلك قدرة اختراق عالية، ويمكنها أن تتسبب في أضرار في أعضاء الجسم الداخلية.

تأثير سحابة الإشعاع

تتأثر آثار انفجار قنبلة قذرة بعدة عوامل بيئية، أهمها اتجاه وسرعة الرياح، بالإضافة إلى الظروف الجوية مثل الرطوبة ودرجة الحرارة. فالرياح القوية تعمل على تشتيت السحابة الإشعاعية وتقليل تركيز المواد المشعة في منطقة معينة. ومع ذلك، فإن استنشاق هذه الجزيئات المشعة، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الغبار الملوث، يشكل خطراً كبيراً على الصحة.

تتراكم هذه الجزيئات في التربة والأسطح المختلفة، مما يؤدي إلى تلوث طويل الأمد قد يستمر لعقود، كما حدث في كارثة تشيرنوبل حيث تم اكتشاف آثار للإشعاع في مناطق بعيدة عن موقع الانفجار بعد مرور سنوات عديدة.

إجراءات إزالة التلوث

تعتبر عملية تنظيف المناطق الملوثة بالإشعاع تحدياً كبيراً ويتطلب تطبيق مجموعة من التقنيات المتخصصة. تتمثل الخطوة الأولى في إزالة الملوثات السطحية باستخدام معدات ميكانيكية مثل المكانس الصناعية ومركبات رش المياه ذات الضغط العالي. وفي الحالات التي يتغلغل فيها التلوث في المواد الصلبة، مثل الأسفلت والتربة، قد يتطلب الأمر إزالة الطبقات السطحية واستبدالها.

تستخدم المواد الكيميائية المتخصصة في بعض الحالات لإزالة التلوث العالق بالأسطح، ولكن يجب اختيار هذه المواد بعناية لتجنب التسبب في أضرار بيئية إضافية. كما يمكن الاستعانة بالكائنات الحية الدقيقة القادرة على تحليل المواد المشعة، وهي تقنية بيولوجية واعدة في مجال التنظيف الإشعاعي.

يواجه العاملون في مجال التنظيف الإشعاعي مخاطر كبيرة، لذلك يجب تجهيزهم ببدلات حماية متخصصة وأجهزة تنفس قادرة على حمايتهم من الإشعاع. كما يجب تدريبهم بشكل جيد على إجراءات السلامة والطوارئ.

تتطلب عملية التنظيف الإشعاعي تخطيطاً دقيقاً وإدارة فعالة للنفايات الناتجة. يجب دفن النفايات المشعة في مواقع آمنة وفقاً للمعايير الدولية، وتتبع مستويات الإشعاع في المنطقة بشكل دوري للتأكد من نجاح عملية التنظيف.

التدابير الوقائية

تتطلب عملية تنظيف المناطق الملوثة بالإشعاع تخطيطًا دقيقًا وإدارة فعالة للنفايات الناتجة. يجب دفن النفايات المشعة في مواقع آمنة وفقاً للمعايير الدولية، وتتبع مستويات الإشعاع في المنطقة بشكل دوري للتأكد من نجاح عملية التنظيف. بالإضافة إلى ذلك، يجب تطوير تقنيات جديدة للتنظيف، مثل استخدام الكائنات الحية الدقيقة القادرة على تحليل المواد المشعة، والروبوتات التي يمكنها العمل في بيئات خطرة. ومع ذلك، فإن التنظيف الكامل للمناطق الملوثة قد يستغرق سنوات عديدة، وتكلفته عالية للغاية. لذلك، يجب التركيز على منع حدوث مثل هذه الحوادث في المقام الأول من خلال تعزيز الرقابة على المواد المشعة وتطوير أنظمة الإنذار المبكر.