ثورة في الحرب الهجينة.. تفجير “البيجرز” كنموذج

العقيد الركن م. ظافر مراد

شكَّلت حادثة الخرق الأمني الكبير وغير المسبوق لمنظومة القيادة والسيطرة عند حزب الله، ضربة موجعة على المستويين المعنوي والعسكري، وتمثَّلت هذه الحادثة بانفجار مئات أجهزة الاتصال من نوع “Pagers” ذات الماركة العالمية ” Apollo” الموجودة مع عناصر الحزب، ما تسبب بإصابة أكثر من 3 آلاف شخص ومقتل 11 شخصاً لغاية إعداد هذا التقرير، وكانت هذه المجموعة من الأجهزة والبالغ عددها حوالي 5 آلاف جهاز، قد تم استقدامها منذ شهور لتحل محل أجهزة الهاتف الخليوي في الإتصال بين العناصر والقيادات، والتي كانت وسيلة لتتبعهم واستهدافهم في عدة حوادث سابقة، والمعروف عن جهاز “Pagers” أنه وسيلة اتصال مدنية قديمة، لا تتصل بشبكة الإنترنت، تنقل رسائل موجزة لحامليها من مراكز إدارة المؤسسات بهدف إبلاغهم بحالة أو القيام بإجراء يجب اتخاذه، أو للمبادرة بالاتصال بمراكز الإدارة أو القيادة بشكلٍ فوري، ويمكن استخدام رسائل مشفرة المحتوى في هذه الأجهزة بحيث لا يمكن فهم مضمونها إلا من قبل المعنيين، وتوضع هذه الأجهزة عادة على خصر حامليها، لترافقهم في تنقلاتهم.

تعمل أجهزة البيجر عن طريق استقبال إشارات لاسلكية ذات رمز معين، موجهة لمجموعة أجهزة مخولة لاستقبال هذه الرسائل، وتتلقى الأجهزة هذه الرسائل عبر تردد معين وفي نطاق مكاني محدد، حيث يصدر الجهاز صوت أو اهتزاز عند تلقيه الرسالة الموجهة إليه، فيعمد المتلقي إلى التقاط الجهاز والنظر مباشرة إلى شاشته الصغيرة للاضطلاع على مضمون الرسالة، وهذا ما يفسر كثرة الإصابات في الوجه واليدين والخصر.

على الرغم من كثرة المعلومات والتحليلات حول الحادثة، لا زال الغموض يلف الكثير من جوانبها، ولكن ما يبدو شبه مؤكَّد، هو أن هذه الأجهزة قد تم تفخيخها بكمية صغيرة من مادة شديدة الانفجار، موصولة على مستقبل الترددات اللاسلكية في الجهاز، وتنفجر عند التعرض لتردد معين أو لدرجة حرارة معينة، ويتم ذلك عبر تفعيل وسيلة التفجير عن بُعد، والذي كان على الأرجح من مسيرات أو طائرات في أجواء المنطقة المستهدفة، وقد نفت شركة “Apollo” التايوانية أن يكون مصدر هذه الأجهزة مصانعها في تايوان، وصرَّحت بأن هذه السلسلة قد صنِّعت في بلد أوروبي من قبل شركة صاحبة امتياز في تصنيعها، مع عدم ذكر إسم هذه الشركة.

يُصنَّف هذا الهجوم ضمن فئة الهجمات الإلكترونية وليس الحرب السيبرانية التي تستهدف البُعد المعلوماتي للخصم، وتترتب عليه مفاعيل قانونية متعددة، أبرزها:

  1. استهدفت هذه العملية الهجومية شريحة واسعة من الاشخاص بحيث شكِّل ذلك خطراً كبيراً على المدنيين المحيطين بهم، في منطقة عمليات غير عسكرية.
  2. تم استخدام وتفخيخ وسيلة إتصال مدنية غير عسكرية ذات علامة تجارية عالمية، بحيث ألحقت الضرر الكبير بسمعة هذه الشركة، وبمجموعة كبيرة من الاشخاص المستهدفين في ظروف غير قتالية، وبالتالي من حق المتضررين الادعاء على المنفذين والمخططين والمتدخلين في كافة مراحل الإعداد لهذه العملية.
  3. تُصنَّف هذه العملية من حيث الإسلوب، ضمن عمليات الاغتيال في ظروف غير قتالية، وهذا مخالف لقواعد ومباديء القانون الدولي الإنساني الذي يرعى النزاعات المسلحة والحروب. 

في خضم تداعيات هذه العملية النوعية، يُطرح عدة تساؤلات حول توقيت تنفيذها والتوقعات المحتملة بنتيجتها، والتي من الممكن أن تفجر الوضع على الجبهة الشمالية، إضافةً إلى أن طبيعة وإسلوب العملية، يخلق مبرراً للرد بطرق مماثلة وغير تقليدية، ولكن السؤال الأهم هو كيف تمكَّن الموساد من الوصول إلى مصنع هذه الأجهزة، ودس المتفجرات داخلها، وهي عملية شديدة التعقيد تتطلب تجنيد مهندسين وتقنيين ونقل متفجرات وإشراف على عمليات التوضيب والتصدير لهذه المجموعة من الأجهزة، بحيث يتم التأكد من وصولها إلى المكان المطلوب دون أي خطأ أو تقصير.

ستشكِّل هذه العملية نموذجاً حديثاً للحرب الهجينة وأساليب الاستهداف للخصوم والأعداء، حيث يمكن تنفيذ مثيلاتها في مختلف ظروف الصراعات والنزاعات، متجاوزة مفهوم الحرب والسلم، فلا حاجة لفتح جبهات قتالية واستخدام وسائط نارية من خلال مواجهات تقليدية علنية.