الهجمات الإلكترونية: أسلحة الدمار الشامل الجديدة

أ.د. غادة عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها
زميل ومحاضر – كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

من الطبيعي أن يشعر البشر في جميع أنحاء العالم بالقلق من تصاعد التوترات النووية، لأن استخدام الأسلحة النووية يولد دمار شامل، فالسلاح النووي يمكنه أن يمحي البشر على بعد 100 قدم، ويقتل تقريبًا الجميع ضمن مسافة نصف ميل، لكن هناك تجاهل أو عدم وعي أو أنه أقل وضوحا للعامة، بأن هجومًا إلكترونيًا كبيرًا قد يكون له نفس قدر الضرر للسلاح النووي. صحيح أن وقوع القتلى في معظم الهجمات الإلكترونية سيكون أبطأ، ولكنه سوف يكون على مساحات واسعة وبأعداد أكثر، فقد يموت الناس بسبب نقص الطعام أو الطاقة أو بسبب نقص الغاز اللازم للتدفئة أو بسبب حدوث حوادث السيارات الناتجة عن تلف نظام إشارات المرور.

وبالفعل أن معظم حوادث القرصنة الإلكترونية المعروفة للجمهور هي حوادث سرقة البيانات أو التحكم في بعض الوظائف الإلكترونية في جهاز ما. لكن هناك الآن ما هو أخطر – يعلن عنه على استحياء – مثل ما ذكرته وسائل الإعلام الأمريكية شهر يوليو عام 2019م، بأن الهجوم الذي شنته القيادة السيبرانية الأمريكية عطل أجهزة الكمبيوتر التابعة لوحدة الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن إسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية فوق مضيق هرمز في 20 يونيو من نفس العام.  ولأيضا مثل ما كشف عنه من اختراق الجيش الأمريكي لأجهزة الكمبيوتر التي تتحكم في الأنظمة الكهربائية الروسية، حيث نشرت نيويورك تايمز في يوليو عام 2019م  أن الولايات المتحدة صعدت من هجماتها الإلكترونية ضد روسيا، بعد زرع برمجيات خبيثة يمكنها أن تؤدي إلى إيقاف تشغيل شبكة البلد الكهربائية بالكامل “في حالة الحرب العسكرية”. وكذلك ما حدث  في أوائل عام 2016م عندما سيطر المتسللون من القراصنة على محطة أمريكية لمعالجة لمياه الشرب، حيث غيروا نسبة الخليط الكيميائي المستخدم لتنقية المياه عن طريق إدارة وحدات التحكم القابلة للبرمجة (PLCs) التي تنظم الصمامات والقنوات التي تتحكم في تدفق المياه والمواد الكيميائية المستخدمة للمعالجة والتي كانت متصلة بالإنترنت. وتم توثيق هذا الهجوم السيبراني في تقرير “خرق أمان تكنولوجيا المعلومات” الذي تصدره شركة فيريزون للحلول الأمنية (Verizon Security Solutions)، حيث أفادت التقارير أن مجموعة “متطفلين” قد عرّضت أجهزة كمبيوتر شركة كيموري للمياه بعد استغلال ثغرات الويب في بوابة دفع العملاء. وفي عامي 2016 و2017م ، أغلق المتسللون الأقسام الرئيسية لشبكة الطاقة في أوكرانيا، وكان ممكن أن يتم تدمير معدات لكن منفذو العملية توقفوا عند حد إغلاق المحطات وهذا كان كفيل في إلحاق خسارة كبيرة بالاقتصاد الأوكراني وعمل فوضى في كل المدن المتضررة. وهو نفس ما حدث عام 2018م في نظام الكهرباء في المملكة المتحدة. وفي أغسطس 2017م تعرض أحد المصانع السعودية للبتروكيماويات لضرب المتسللين الذين حاولوا تفجير المعدات من خلال التحكم في الإلكترونيات المستخدمة في هذه المصانع، وبعد بضعة أشهر فقط من هذا الهجوم، قام المتسللون بإغلاق أنظمة مراقبة خطوط أنابيب النفط والغاز في بعض الأماكن داخل السعودية، وهذا تسبب في مشاكل لوجستية. هذه الأنواع من الهجمات ممكن أن تسبب كارثة لو تم استخدام البرنامج لتشغيل المضخات والتوربينات والصمامات داخل خط الأنابيب، وإصابة المضخات والتوربينات والصمامات بأعطال عشوائية، بحيث يتسبب هذا في أن يصبح الضغط داخل خط الأنابيب أكبر من اللازم، مما يؤدى إلى حدوث أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم “لا قدر الله”. مثل ما حدث في “خط أنابيب سيبيريا” الذي اختفي نتيجة للانفجار الناتج عن الهجمة السيبرانية على أنظمته. وكان آخر أشهر هجوم هو NotPetya Ransomware الذي انشر كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، وأصاب ما يقرب من 25000 جهاز كمبيوتر والكثير من المعدات الإلكترونية بهدف مسح محركات الأقراص الصلبة الخاصة بالضحية عند إعادة تشغيل الأجهزة والمطالبة بكميات باهظة من الأموال تدفع عن طريق العملات المشفرة لاستردادها.

نتيجة لتلك الحوادث حذر مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي من أنه أذا استهدفت المنشآت النووية بهجمات الإلكترونية، قد ينتج تصريف للمواد المشعة أو للمواد الكيميائية أو حتى لانهيار المفاعل، وبالتالي يمكن أن يتسبب الهجوم الإلكتروني في حدوث كارثة مماثلة للحادث الذي وقع في تشيرنوبيل -هذا الانفجار الناجم عن خطأ غير مقصود-  الذي أسفر عن مقتل 50 شخصًا وإجلاء 120 ألف شخص وترك أجزاء من المنطقة غير صالحة للسكن لآلاف السنين التالية للانفجار (وهذا كان غير مقصود)!!!

أن خطورة الهجمات السيبرانية تكمن في إنه لا يوجد وسائل حماية دولية ضدها، مثل التي في الهجمات النووية، كما لا يوجد فيها جبهات قتالية أو أماكن لمراقبة القتال، كذلك يمكن التلاعب بالأدلة والقرائن بسهولة، وفيها سهل جدا أن يتم إخفاء مصدر التوغل الرقمي. لكن الصاروخ النووي سهل معرفة مكان إطلاقه. كما أنه في الهجمات النووية هناك فكرة “التدمير المتبادل” حيث لا ينبغي لأي دولة إطلاق سلاح نووي على دولة أخرى مسلحة نوويًا، لأن الدولة المستهدفة ستطلق أسلحتها الخاصة رداً على ذلك، وتدمر كلا البلدين. أما عندما يتعلق الأمر بالنزاع السيبراني، فإن “ضباب الحرب”، كما يسميه المنظر العسكري “كارل فون كلوزويتز” ، غليظ وفي أحيان كثيرة لا يعرف مصدره أو من يقوم بشنه، فمن الممكن أن يكون من يشنه من داخل البلد أو المصنع أو الحكومة المستهدفة وليس جهة عدائية معروفه للضحية!!!

<strong>أ.د. غادة عامر</strong>
أ.د. غادة عامر

الأستاذ الدكتور غادة عامر هي وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث بجامعة بنها، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا. تشغل عددًا من المناصب الاخرى، مثل مدير مركز الابتكار وريادة الأعمال في اكاديمية البحث العلمي – مصر، ومدير مركز الابتكار وريادة الأعمال في جامعة بنها، والرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لمختبر الابتكار ASTF، والرئيس السابق لقسم الهندسة الكهربائية بجامعة بنها والمدير التنفيذي للأوقاف العالمية. كما اختيرت لتكون ضمن أحد أعضاء لجنة تحكيم جوائز” رولكس” للابتكار بسويسرا.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*