الكلاب الآلية المسلحة.. مستقبل الحروب الحديثة أم قفزة تكنولوجية محدودة؟

تقرير: راني زيادة

يشهد العالم قفزة نوعية في صناعة الروبوتات الموجهة للعمليات العسكرية مع تسارع التطور التكنولوجي. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو الكلاب الآلية المسلحة التي بدأت تشكل علامة فارقة في سباق التسلح بين القوى العالمية. هذه الروبوتات، التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي والقدرات الميكانيكية، ليست مجرد أدوات تقنية، بل تمثل تحولًا محتملاً في طبيعة الحروب والعمليات القتالية.

لكن هل يمكن لهذه الكلاب أن تصبح عنصرًا رئيسيًا في ساحات المعارك، أم أنها مجرد استعراض مرحلي لإمكانيات التقنية الحديثة؟

السباق التكنولوجي بين القوى العالمية

أظهرت الصين، مؤخرًا، قدراتها المتقدمة في هذا المجال من خلال تدريبات عسكرية بارزة تحت اسم “التنين الذهبي 2024”. في هذه التدريبات، ظهر الجيش الصيني يستخدم روبوتات بأربعة أرجل مزودة بأسلحة هجومية مثل بندقية “كيو بي زد-95”. هذه الروبوتات، التي أُطلق عليها اسم “الكلاب الآلية المسلحة”، تمثل مزيجًا من الابتكار التقني والتطبيقات الميدانية، حيث يمكنها تنفيذ مهام استطلاع وتحديد الأهداف في مناطق حضرية دون تعريض الجنود للمخاطر المباشرة.

PLA's robot dogs demonstrate capabilities at China-Cambodia joint drills -  Global Times

أحد المشاهد اللافتة كان دخول روبوت مسلح إلى مبنى أثناء تغطية الجنود، في محاكاة لسيناريوهات قتال حقيقية. وصرح أحد الجنود المشاركين بأن هذه الروبوتات قد تصبح “عضوًا جديدًا في الوحدات القتالية الحضرية”، مضيفًا أنها تساهم في تقليل الاعتماد على الجنود البشريين في المهام الخطرة.

في المقابل، لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي أمام هذا التطور. فقد بدأت القوات الجوية الأميركية منذ عام 2020 في دمج الكلاب الآلية ضمن أنظمتها الأمنية، لا سيما في القواعد العسكرية. وتشمل مهام هذه الروبوتات تأمين المنشآت، رصد التهديدات، والمساعدة في التخلص من الذخائر المتفجرة. ورغم أن استخداماتها القتالية لا تزال محدودة، فإن التجارب الأخيرة تُظهر إمكانية تسليحها بأسلحة متطورة مثل بنادق “إم 4 إيه 1” وقاذفات “إم 72”.

US Army Tests Robot Dogs Armed With AI-Enabled Guns At Military Facility In  Middle East: Report

المحاولات السابقة والعقبات التقنية

رغم الزخم الحالي حول الكلاب الآلية المسلحة، فإن الفكرة ليست جديدة تمامًا. ففي عام 2005، كشفت شركة “بوسطن دايناميكس” عن أول نموذج لهذه الروبوتات، تحت اسم “بيغ دوغ”، الذي صُمم لدعم القوات الأميركية بنقل الإمدادات عبر التضاريس الوعرة. لكن المشروع فشل بسبب الضوضاء العالية التي يصدرها الروبوت، مما جعله غير مناسب للاستخدام في العمليات العسكرية.

لاحقًا، عادت “بوسطن دايناميكس” لتطوير نموذج جديد أكثر تطورًا وهدوءًا أُطلق عليه اسم “سبوت”. ورغم أن هذا الروبوت لم يكن مصممًا لحمل الأسلحة، إلا أنه أثبت جدواه في مهام مثل تأمين القواعد العسكرية وتفتيش المناطق الخطرة.

التحولات الحالية: من الأمن إلى القتال

اليوم، أصبحت الكلاب الآلية عنصرًا رئيسيًا في الخطط الأمنية لبعض المنشآت العسكرية الأميركية. فعلى سبيل المثال، دمجت قاعدة تيندال الجوية في فلوريدا الكلاب الآلية ضمن نظامها الأمني منذ عام 2020.

وفي يوليو/ تموز 2023، أضافت قاعدة مينوت الجوية في نورث داكوتا هذه الروبوتات إلى عمليات الكشف عن التهديدات الكيميائية والبيولوجية، مما يقلل من المخاطر التي قد تواجه الطيارين.

مع ذلك، يبدو أن المرحلة المقبلة ستركز على تعزيز قدرات هذه الروبوتات لتشمل مهام قتالية مباشرة. ففي 2021، عرضت شركة “غوست روبوتيكس” الأميركية نموذجًا لكلب آلي مسلح ببندقية هجومية طورتها شركة “سورد إنترناشونال”، مما يعكس التوجه نحو توظيف هذه الروبوتات كعناصر قتالية محتملة.

التحديات الأخلاقية والتقنية

رغم الإمكانيات الواعدة، تواجه الكلاب الآلية المسلحة تحديات كبيرة. من الناحية التقنية، لا تزال قدرتها على التصرف بشكل مستقل في بيئات معقدة دون إشراف بشري محل تساؤل. أما من الناحية الأخلاقية، فإن استخدام آلات قاتلة في الحروب يثير مخاوف حول انتهاكات حقوق الإنسان وتصاعد النزاعات المسلحة.

مستقبل الحروب: خطوة نحو عصر جديد؟

مع استمرار السباق التكنولوجي بين القوى الكبرى، يتزايد التركيز على الكلاب الآلية كأداة محتملة لتغيير قواعد اللعبة في الحروب. لكن يبقى السؤال: هل ستكون هذه الروبوتات مجرد أدوات دعم تقني، أم أنها ستصبح عناصر قتالية رئيسية؟

الإجابة تعتمد على قدرة الدول والشركات على تجاوز التحديات الحالية. فبينما أثبتت الكلاب الآلية فعاليتها في تعزيز أمن القواعد وتنفيذ العمليات الخطرة، فإن تسليحها واستخدامها في القتال يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الحروب التي قد تكون أكثر ذكاءً وأقل اعتمادًا على العنصر البشري.