العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
بعد الحرب الباردة تميز الصراع بين القوتين بالتنافس المحموم بينهما للسيطرة على العالم باستخدام السياسة والقوة في آن واحد ولذلك كان لابد من إيجاد صيغة مناسبة كمبدأ وسطي للعمل وهنا ظهر مصطلح الدبلوماسية الدفاعية لتقود الكثير من الأزمات وتحاول الوصول بها لتسويات ترتضيها مختلف الأطراف.
وهكذا تمثل دبلوماسية الدفاع البيئة الأمنية الدولية الجديدة لتنظيم النشاط الدولي المتعلق بالدفاع وإعادة تقييم مؤسسات الدفاع الغربية ولا يعني ظهوره في دول الغرب أن هذا المبدأ يختص بهم دون غيرهم بل أنه يعتبر أسلوب عمل تطور وفقاً للضرورات التي فرضتها المفاهيم السياسية والعسكرية المنظمة للنشاط الدولي بشكل عام.
تعتبر دبلوماسية الدفاع فرع مهم من فروع الدبلوماسية الفاعلة التي تحتاجها الدول لتطوير علاقاتها و تلجأ إليها الدول في الشأن العسكري لتوضيح نواياها تجاه بعض الأحداث التي تكون طرفاً فيها أو أنها تحتاج للمشاركة الدولية في تقرير شأن معين فيما يتعلق بشئون الدفاع .
تتعدد فروع الدبلوماسية في عالم السياسة فهناك ما يعرف بالدبلوماسية السياسية والدبلوماسية القضائية والدبلوماسية الإقتصادية وغيرها وكل دبلوماسية متخصصة في شأنها لها أدواتها ومجال عمل تتجسد فيه لكن المثير والغريب هو عدم وجود تعريف متفق عليه للدبلوماسية الدفاعية، بالرغم من دورها وأهميتها في صنع الأحداث على مستوى الدول والعالم , ولكن يمكن فهمها على أنها التطبيق السلمي لتسوية النزاعات عبر الحوار مع مختلف الأطياف ذات العلاقة لتحقيق نتائج إيجابية في تحقيق السلم وتطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف لبلد ما.
من يحتاجها :
لاشك بأن الحرب هي أداة فاعلة من أدوات السياسة وتمثل القوى المسلحة السند الحقيقي للسياسة في إتجاهاتها وبالمثل تساند السياسة القدرة العسكرية في تحركاتها ولذلك فمن الصعب الفصل بين النواحي السياسية والعسكرية لأنهما متداخلان لأبعد الحدود ويكمل كلاً منهما الآخر ويؤيده في مهمته وهذه المنظومة المتكاملة لا يمكنها إتخاذ قرارات حاسمة بشأن الدفاع والحرب دون النظر للهدف من وراء تبني سياسة دفاعية أو إرجاء الدخول في حرب معلنة وكل ذلك يرتبط بالمصالح التي ستجنيها الدولة من إعلان حالة الحرب أو إتخاذ سياسة دفاعية على المدى القصير وأيضاً الطويل وهذا الأمر يتطلب إتخاذ دبلوماسية دفاعية معلنة تنظم وضع الدولة في علاقاتها الدولية بما يؤمن السعي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية من خلال تفاعلها ونظرتها لما قد يستجد من تغيرات وتحالفات تفرض نفسها وقد تحتاج أيضاً لما يعرف بالتصرف الفوري بما يوافق مصالحها وسياسيتها المعلنة من خلال التوظيف السلمي أو الحربي لموارد الدولة وقدراتها الدفاعية وهنا يبرز ويتضح دور الدبلوماسية الدفاعية ومهارات المتعاملين بها في التصرف لمنع النزاعات المسلحة أو العمل على حلها
من مهام الدبلوماسية الدفاعية منع نشوب الصراعات المسلحة وإصلاح القطاعات الأمنية وتدخل ضمنها دائرتها الدبلوماسية العسكرية التي تعرف بأنها المناشط التي يؤديها ويقوم بها الملحقين العسكريين في السفارات ضمن سياسة دولهم وتستوعب كذلك الأنشطة الدفاعية ذات الطابع الودي مثل تبادل زيارات الوفود والأفراد العسكريين على مستوى الدول وزيارات السفن والقطع البحرية والطائرات الحربية بمختلف أنواعها ومهامها وكذلك التمثيل الدبلوماسي المتخصص عالي المستوى ( وزاء الدفاع , رؤساء أركان , وكبار مسئولي الدفاع ) إضافة إلى لجان الاجتماعات الخاصة بالتعاون والتكامل العسكري الثنائية والتدريبات والتمارين ومنتديات الدفاع الإقليمية وكذلك التدابير المتخذة لتأسيس التوعية وتعزيز الثقة والأمن وهي غالبًا ما ترتبط بمنع نشوب الصراعات والإبتعاد عن مفهوم إستخدام القوة بدافع الرغبة في ترهيب الخصوم المحتملين.
ولاتدخل العمليات العسكرية ضمن دائرة أنشطة الدبلوماسية الدفاعية لأنه بالإنتقال لممارسة القتال وتغليب لغة السلاح والحرب تكون الأطراف المتناحرة قد أفتقدت للغة الحوار والدبلوماسية وخرجت الأمور عن السيطرة لتصبح نزاع وصراع مسلح ويكون الطرفان حينها في أمس الحاجة لتوفير مناخ ملائم لإيقاف الإقتتال والوصول لحالة من السلم تؤسس لحل شامل بشكل يرضي الأطراف وهنا تتدخل الدبلوماسية الدفاعية مرة أخرى ويكون لها نصيب كبير لإحتواء المواقف وممارسة نوع من التقارب بغية إنهاء حالة الصراع والعودة لحالة السلم التي ينشدها الجميع.
وبناءاً على ذلك ووفقاً لما يشهده عالمنا من أحداث عرف قائد القوات الجوية لجمهورية سنغافورة اللواء نج تشي خيرن الدبلوماسية الدفاع بأنها “السعي لتطوير علاقات منفعة متبادلة مع الدول الصديقة والقوات والمسلحة للمساهمة في بيئة دولية وإقليمية مستقرة”.
متى نحتاجها:
تتداخل سياسة الدفاع للدولة مع دبلوماسية الدفاع والتي تعتبر أداة جزئية لتنفيذ تلك السياسة في الداخل والخارج فهي تحدد الصيغة الواجب إتباعها في مسائل الأمن الوطني والدولي والأهداف الإستراتيجية للدولة وتضم التدابير والإجراءات العملية المتعلقة بالكيفية التي تفوض بها قواتها المسلحة لضمان الحفاظ على إستقلال القرارات الوطنية بما يتعلق بأمنها وسيادتها كما أنها تتولى تحديد نمط التهديدات المعادية وتقوم بتعريف المجال العسكري للأمن القومي والتحالفات الدفاعية والجاهزية القتالية وتتناول تحقيق أهدافها وأغراضها العسكرية من خلال الاستعداد القتالي والتنظيم العسكري والعلاقات السياسية والعسكرية ودور القوات المسلحة وكل ما يتعلق بالمهام العسكرية والأمنية المباشرة لتأمين الدولة.
للوقوف على أبرز محطات الدبلوماسية الدفاعية ضمن دائرة العلاقات والسياسة الدولية نسوق بعضاً من نماذج تطور الدبلوماسية الدفاعية فقد أصبح ما يعرف بمؤتمر أو «حوار المنامة» في دولة البحرين ملتقى عالمي لمناقشة العديد من المسائل ذات العلاقة بالشأن الأمني والعسكري العالمي في إطار تعزيز دبلوماسية الدفاع كالاتفاق النووي الإيراني، والأزمة السورية، والتعاون العسكري والتحديات الأمنية بمنطقة الخليج، و الحرب الإلكترونية، والصراع العربي الإسرائيلي وتأثيره على الأمن والاستقرار في الخليج والشرق الأوسط، والدور الإقليمي والدولي في الأحداث الأمنية والسياسية والقرصنة البحرية والحرب ضد الإرهاب وغيرها من الصراعات والمسائل وذلك للخروج بتوصيات تدعم الحلول السلمية لمختلف النزاعات والصراعات بالعالم ومع أن قرارات وتوصيات مثل هذه المنتديات والتجمعات الدولية تكون عادة غير ملزمة إلا أنها تشكل وجهاً بارزاً للدبلوماسية الدفاعية ودورها المتصاعد في الإحاطة بمنغصات السلم والأمن الدوليين ومحاولة هادفة لتوفير حلول ملائمة لها بشكل يضمن وجود مناخ سلمي يكون للحوار أهمية كبيرة فيه وضرورة لا مفر منها لدرء المخاطر والحد من تفاقمها وتوفير بيئة سياسية وأمنية وعسكرية تحافظ على الإستقرار والسلم الإقليمي والعالمي.
ونحتاج لدبلوماسية الدفاع لتبديد العداء وبناء الثقة والحفاظ عليها والمساعدة في تطوير قوات مسلحة وطنية مسؤولة ديمقراطيًا ومن أجل المساهمة في منع النزاعات وحلها وغالبًا ما توضع الدبلوماسية الدفاعية وتنفذ بالتعاون بين وزارتي الخارجية والدفاع لضمان التماسك والتركيز في جميع قطاعات الدولة..
ولا نحتاج لدبلوماسية الدفاع اذا تعرض الوطن للحرب والغزو فهو يمثل الارض والعرض ولذلك فإن تلك الدبلوماسية تتنحى جانباً لتبرز القوة لتقابل القوة مع كل ما يمكن ان يتخلل ذلك من منازلات وحروب لكنها تسجل في ذاكرة العرب كمواقف بطولية مشرفة وهي فعلاً كذلك.
خاتمة:
هناك الكثير من المشاكل والنزاعات والقضايا العالقة على المستوى الدولي فهل ستنجح دبلوماسية الدفاع الدولية في إيجاد الحلول الناجعة لها بعيداً عن دبلوماسية القصف والعنف والتدخلات العسكرية المباشرة وهل سنشهد تطورات إيجابية لهذه الدبلوماسية لتجنيب البشر ويلات الحروب وما يلحقها من فناء ودمار , وهل سيكون مستقبل الأمم والشعوب أكثر أمناً وعقلانية في مواجهة الأخطار التي قد تنشأ لتسلط الكبار على مقدرات وأمور الغير … كل تلك التساؤلات قد لايلقي لها من يجتمعون كل حين وآخر ليقرروا دبلوماسية الدفاع لدولهم وأحلافهم بالاً لكنها تبقى حلم الكثيرون من البسطاء الذين يرغبون في نبذ العنف والحروب ولا يعرفون عن تلك الدبلوماسية شيئاً أم أن الدبلوماسية الدفاعية تبقى جزء من الترف الفكري العالمي للعبث بمصالح الغير وأمن دول وشعوب قد لا يهمها كل تلك القواعد والأعراف لتعيش آمنة مستقرة في أوطانها.
قم بكتابة اول تعليق