د. ظافر محمد العجمي
من بين معظم الروايات التي يتداولها الناس نجد إن أقلها استنادا للواقع هي القصص المتعلقة بالبدايات،ورغم أن الغزو لعراقي الغاشم لدولة الكويت عام 1990م هو جز من فترة زمنية لا زالت معاشة، إلا إن كل من كتب عنه يؤرخ لبدايته بفجر يوم الخميس 2أغسطس 1990م. إلا أن التوقيت الحقيقي يبعد ست ساعات عن التوقيت المتداول، ولعل من حق القارئ أن يطرح سؤال مشروع عن مصدر التوقيت الصحيح، وعن جدوى الحديث عن فرق ست ساعات فقط ضمن لحظات الغزو والاحتلال الغاشم العصيبة الذي استمر سبعة أشهر و شكل بتبعاته التحولات الكبرى في حياة الكويتيين .
رجال قوة حرس الحدود الكويتية وحدهم من يملك الكلمة الفصل في مسألة التوقيتات فقد كان واجبهم يحتم عليهم التواجد على الحدود مع العراق. وقد أفادوا أن القوات العراقية قامت بمهاجمة مراكز حرس الحدود الكويتية و اعتقال ضباط وأفراد هذه المراكز منذ الساعة الثامنة من مساء يوم الأربعاء غرة أغسطس 1990م، لكن القراءة الخاطئة فسرت ما يجري على إنها تحرشات محدودة وليس لها دلالات الهجوم الشامل كما تم بالفعل.
أما قيمة فترة الساعات الست الفارقة بين التوقيتين فسوف يكون الجواب لاحقا من خلال عرضنا لما أنجزته القوة الجوية الكويتية ضد العراقيين في أقل من ذلك الوقت بكثير. فقد كان الطاغية صدام وفيا لما آل إليه من أرث كان قد استوطن عقول الطغمة العراقية الحاكمة منذ الملك غازي عام 1936م، والتي ترى الكويت مخرج سهل لأزماتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقد ساند ذلك جنون عظمة صدام نفسه وحبه على الاستحواذ والتوسع ،وكرد فعل على فشل مساعيه في ابتزاز الكويت اصدر الطاغية قرار غزو الكويت . وبغياب شمس يوم 4 من أغسطس 1990م كانت القوات العراقية قد سيطرت على كافة الأراضي الكويتية، ولينتبه العالم بعدها إلى هول ما حدث فتأتي دعوة المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبد العزيز للقوات الصديقة إلى السعودية لتعزيز دفاعاتها في 6 أغسطس يتبعها في نفس اليوم أمر الرئيس جورج بوش George H. W. Bush لسرب من مقاتلات F15 بالتوجه إلى السعودية،تبعها وصول القوات المصرية والمغربية في 11 أغسطس والقوات السورية في 14 أغسطس 1990م.
كان العالم في نهاية القرن العشرين لازال منقسما بين كتلتين تتبادلان الكيد لبعضهما البعض وتشعلان الحروب بالوكالة War by Proxy فيما عرف بالحرب الباردة ، والتي لم تكن قد لفظت أنفاسها بعد رغم سقوط حائط برلين .ورغم الجفوة بين إطراف عدة خرجت دعوة المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الأحمد الحقة لرفع العدوان العراقي عن الكويت من أروقة الأمم المتحدة لتصل إلى القفار الباردة في أطراف الجزيرة العربية ولتوحد جنود اختلفت عقائدهم القتالية وأسلحتهم وعتادهم وإستراتيجياتهم وأنظمة بلدانهم السياسية ، مشكلين لأول مرة تحالف عسكري مكون من 34 دولة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بانسحاب القوات العراقية من دولة الكويت دون قيد أو شرط .
أوضاع القوة الجوية الكويتية
امتثالاً لقول الله تعالى (ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) خاضت القوة الجوية الكويتية في الثاني من أغسطس 1990م خمس معارك جوية متزامنة و مختلفة هي المعركة الجوية لقاعدة علي السالم الجوية ، والمعركة الجوية \الأرضية لقاعدة أحمد الجابر الجوية، ومعارك لواء الدفاع الجوي من مواقعه المختلفة عبر الكويت كلها ، ومعركة الدفاع عن قاعدة المطار الدولي ، والمعركة الجوية \البرية في جزيرة فيلكا . وبعد إسقاط 50 طائرة عراقية جاء قرار فك التماس القسري مع العدو، وامتثالا للقسم العسكر الكويتي الذي من ضمنه أن لا يترك الجندي سلاحه للعدو قط حتى وإن ذاق الموت دونه. ونتيجة لنفاذ الوقود واستحالة العودة للمدارج الجوية التي دمرها العدو هبطت 10 طائرات هليكوبتر من نوع بيوما puma وسوبر بيوما Super Puma helicopter و15 طائرة غزال Gazelle Helicopter في منطقة الخفجي على أمل التزود بالوقود وشن هجوم على جحافل العدو مرة أخرى . لكن الأمر نفسه لم يتهيأ للطائرات النفاذة لعدم وجود مدارج هبوط في مدينة الخفجي القريبة من الكويت ، وعليه استطاعت 23 طائرة سكاي هوك A-4 SkyhawK و15 طائرة ميراج Dassault Mirage F1 من الوصول بما بقي لديها من وقود لقاعدة الظهران الجوية في المملكة العربية السعودية الشقيقة ،بينما هبطت 3 طائرات هيركوليز سي C-130 Hercules و6 طائرات تدريب من نوع هوك Hawk و طائرة دي سي DC9 McDonald Douglas في البحرين الشقيقة[1] .
لم يكن هناك ما يخفف من تلهف صقور الجو الكويتيون للعودة واستعادة وطنهم إلا الانشغال في الاستعداد والتدريب ، حيث توزعت الطائرات خلال شهري أغسطس وسبتمبر في قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران وقاعدة الملك فهد في الطائف ، والقاعدة البحرية في الجبيل . وقد تطلبت عملية ترتيب الأوضاع الاتصال بالفرنسيين والأميركيين لتوريد قطع الغيار والذخائر للطائرات ، وبجهد ضخم لايمكن لمنصف أن يتجاوزه دون الإشادة به استطاع رجال رجال القوة الجوية جعل طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK قادرة على التحليق اعتبارا من 19 سبتمبر 1990م بعد اكتمال الإعداد الفني للطائرات والقتالي للطيارين .
في نهاية سبتمبر 1990م خيم حزن ثقيل على رجال القوة الجوية الكويتية فقد صدر قرار كان بمثابة الصدمة لهم وهو نقلهم من الجبهة ومن المطارات السعودية القريبة من الكويت إلى مطارات في أطراف أخرى من الجزيرة العربية في خميس مشيط والطائف والبحرين والإمارات. لقد كان هناك خوف من أن يفلت غضب صقور الجو الكويتيين من عقاله فينطلقون على القوات العراقية ويهاجمونها بالطائرات قبل أن يتم تكامل وصول قوات التحالف ، كما كان هناك تخوف مشروع لدى الحلفاء تمثل في تشابه الطائرات الكويتية مع الطائرات العراقية خصوصا الميراج والغزال .أما الطيارون فقد أرسلوا للتدريب في قطر والإمارات بالإضافة إلى أماكن أخرى من السعودية . ثم زالت الغمة بعد رجوع طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK إلى الظهران في 14 أكتوبر 1990م حيث جرى تقسيم الوحدات المقاتلة إلى مفارز بعد ان تقرر ذلك في اجتماع عسكري كويتي في فندق الخليج بالدمام برئاسة المغفور له الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح ، و سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح ، حيث كان وزيرا للدفاع . وقد كان قائد القوة الجوية هو العقيد محمد الرزوقي حتى خروج أمر القوة المرحوم العميد داوود الغانم من الكويت المحتلة ، وقد كان تقسيم القوة كالتالي[2] :
- مفرزة طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK ويقودها العقيد الركن طيار يوسف الضويان ، يساعده العقيد أحمد القامس وكان مقرها في قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط .
- مفرزة طائرات بيوما puma وسوبر بيوما Super Puma helicopter في قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف وعليها العقيد محمد السري .
- مفرزة الهوك Hawak بقيادة المقدم بدر العيسى وكان مقرها في قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط .
- مفرزة طائرات الغزال Gazelle بقيادة العقيد محمود الرزوقي ويساعدة المرحوم العقيد ناصر جحيل في قاعدة الملك عبدالعزيز في الجبيل .
- مفرزة طائرات الميراج Mirage F1 بقيادة العقيد إبراهيم الكندري في قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف .
- مفرزة طائرات النقل في قاعدة جدة الجوية بقيادة العقيد علي الحجي .
وقد قامت مفرزة طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK بالتمرين مع القوات الجوية الملكية السعودية ،والبحرية الأميركية وسلاح الجو الأميركي ، كما شاركت طائرات الهيلوكبتر الكويتية في عملية درع الصحراء DESERT SHIELD باسناد اللواء البريطاني جرذان الصحراء DESERT RATES وقامت بنقل الألوية المقاتلة للمنطق الحدودية وحمت مناطق الرماية وشاركت المارينز في دوريات على الحدود بالإضافة الى عمليات الاخلاء الطبي والبحث والانقاذ . ولأن طائرات الميراج الكويتية هي نفس الطائرات العراقية من نوع Mirage F1 فقد تمت الاستعانة بمفرزة الميراج لتمثيل دور العدو في لعبة حرب ضد الطائرات الأمريكية من نوع بي B-52 Boeing القاذفة الضخمة ، وضد القاذفات بعيدة المدى من نوع General Dynamics F111.
وفي27 نوفمبر 1990م أعيد تشكيل المفارز ليصبح سلاح طيران الكويت الحرة FreeKuwait Air Force على الشكل التالي [3]:
1. مفرزة رقم 12 طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK ويقودها العقيد الركن طيار يوسف الضويان ، و مقرها في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الظهران .
- مفرزة رقم 20 طائرات البيوما والسوبر بيوما والغزال في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية في الجبيل وعليها المرحوم العقيد ناصر جحيل.
- مفرزة رقم 8 طائرات الميراج بقيادة العقيد ابراهيم الكندري في قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف .
- مفرزة رقم 30 طائرات النقل ويقودها العقيد علي الحجي .
- مفرزة رقم 25 طائرات الهوك التدريبية بقيادة المقدم بدر العيسى في الإمارات العربية المتحدة.
- مفرزة رقم 40 طائرات دي سي 9 بقيادة العقيد سعود الهزاع في الرياض.
- مفرزة التعاون مع المارينز بقيادة العقيد فهد القحطاني في الجبيل ويعاونه المقدم محمود بوشهري والمقدم عبد الرحمن الزايد والنقيب ظافر العجمي .
كما تم في نفس الوقت طلب تزويد طائرات الغزال Gazelle الكويتية بصوراريخ من نوع هوت HOT بلغ عددها 350 صاروخا من قبل الفرنسيين ، ومن الاميركان صواريخ ماجيك Magic وقنابل بلوغا Bloga، وقد تم طلب تزويد طائرات سكاي هوك A-4 SkyhawK بصواريخ سايد وايندر SideWinder والقنابل العنقودية وذات الأغراض المتعددة GB .
” أين هم ؟ “
في يوم الخميس 29 من نوفمبر 1990م أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 678، الذي حذّر فيه العراق بأنه إذا لم ينسحب من الكويت، قبل 15 يناير 1991م فإن كل الوسائل اللازمة سوف تستخدم لإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما في المنطقة. ويقول أحد شهود ذلك اليوم من جنرالات صدام، إن الطاغية كان في يوم 15 يناير في مسرح عمليات الكويت ، وكان بمعنويات عالية ، وعند الساعة 18:00 نظر الى ساعته وهو يتفقد بعض الدفاعات العراقية الساحلية ،ثم رفع رأسه مبتسما وقال كلمة واحدة “أين هم ؟”
ثم زار إحدى قيادات الحرس الجمهوري ووجه سؤاله إلى الفريق الركن أياد الراوي قائد الحرس الجمهوري عن نسبة توقعه للهجوم الذي انتهت مدة إنذاره اليوم فأجابه بأن الهجوم المعادي يقع باحتمالية لا تزيد عن واحد بالألف[4] . وفي السياق نفسه يقول وزير الخارجية السوفيتي السابق بريماكوف Yevgeny Primakov في مذكراته عن حرب الخليج 1991 م[5] أن صدام قد أعتقد ان لديه الوقت دائماً للمناورة، واعتقد أيضا إن أفضل وقت للتفاوض حول هذه الأزمة هو حينما لا يكون هناك وقت أي في 15 يناير 1991 م وما بعد ذلك التاريخ . لكن 24 طائرة من نوع الشبح المقاتلة Stealth Fighter F-117A كانت أسرع في مناورتها من صدام. ففي الساعة 3:35 من صباح يوم الخميس 17 من يناير 1991م، بتوقيت الكويت ، انطلقت الشرارة الأولى لمعركة تحرير الكويت، تحت الاسم الرمزي عاصفة الصحراء Desert Storm حيث أغارت الشبح وفي أثرها 400 طائرة أخرى لتحقق السيادة الجوية على مسرح العمليات. وتركزت الهجمات الجوية في تدمير الأهداف الإستراتيجية في العمق العراقي، وضد تشكيلات الحرس الجمهوري، والدفاعات الجوية العراقية. كما نجحت في تحييد فاعلية مراكز القيادة والسيطرة العراقية.
عاصفة الصحراء
اختلفت المدارس الفكرية للعلم العسكري على مبادئ الحرب فذهب الاستراتيجي البروسي الفذ كلاوزفيتز Carl von Clausewitz الى ان مبادئ الحرب Principles of War هي الاقتصاد في الجهد و تركيز القوة و الدفاع و الهجوم و التفوق العددي و المفاجأة و الإدارة. أما نانابليون بونابرت Napoleon Bonapart فقال أن مبادئ الحرب تضم الهجوم و السرعة و المفاجأة و الحشد و الأمن . ثم قفزت قوانين العلم العسكري قفزة كبرى بعد الحرب العالمية الأولى على يد مجموعة كبيرة من المؤرخين العسكريين والباحثين والمفكرين
فتشكلت مبادئ الحرب الأميركية والبريطانية والسوفيتية والفرنسية على يد ليدل هارت، فوللر، وكان بعضها يضم خمس مبادئ بينما توسع بعضها ليصل إلى 13 مبدأ ورغم تنوع بيئات الباحثين والمفكرين العسكريين ورغم الفرق في عدد المبادئ إلا أن مبدأ واحد تم الاتفاق عليه من قبل الجميع وهو المفاجأة . وفي هذا السياق يقول العقيد محمود الرزوقي الذي شغل منصب آمر القوة ثم نائب للأمر طوال الحرب إن سرية بدء الحملة الجوية كانت صارمة حيث تم إتباع إبلاغ المعنيين فقط Need To Know Bases وأنه عرف بقرب قيام الحرب من خلال المؤشرات فقط ومنها زيادة رحلات الصهاريج الجوية من الرياض واستدعاء العقيد طيار يوسف الضويان في 16 يناير لمركز العمليات الرئيسي للقوة الجوية في الظهران ، أما نائب رئيس الأركان في حينه اللواء علي المؤمن فكان في مصعد في احد الفنادق في الطائف قبل الحرب بيوم عندما التفت إليه جنرال أمريكي يعرفه وقال له على إنفراد كمن يبشره بخبر مفرح هل أنت جاهز ليوم الخميس ؟ كما يقول رئيس مكتب الارتباط الكويتي في الرياض العقيد رياض الصالح انه تم الاتصال به في ليلة 17 يناير وطلبوا منه بإلحاح شديد إخراج طائرة كويتية من طراز دي سي 9 من المجال الجوي السعودي ، ولم يكن يعني ذلك إلا إفساح ممر جوي لمقاتلات التحالف لتنفيذ الضربة الجوية الأولى[6] .
في الثامنة من مساء يوم 16 يناير 1991م تم استدعاء العقيد يوسف ضويان آمر المفرزة 12 إلى مركز عمليات التحالف في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الظهران ،وقد عاد إلى أسراب سكاي هوك A-4SkyhawK الكويتية تكاد تفضحه أساريره المتهللة ، لكن أعظم مبادئ الحرب وهي المفاجأة لا تتم إلا بالسرية القصوى ولم يكن أمامه إلا تمالك نفسه حتى منتصف الليل ،وفي الثانية فجرا هرع شباب الكويت من الفنيين لتذخير الطائرات بالقنابل ، بينما بدأ الطيارون في تلقي إيجاز المهام العملياتية وتحديد الأهداف المراد قصفها ، وأخذت مجموعة أخرى تسجد شكرا لله،وطغت أصوات الله اكبر على أزيز المحركات.
شاركت الطائرات الكويتية من نوع سكاي هوك A-4 SkyhawK في الضربة الافتتاحية للحرب الجوية التي استمرت 39 يوما ،ففي 8:15 و بقيادة العقيد يوسف الضويان أقلع تشكيل من ست طائرات متجه الى مسرح عمليات الكويت KTO وأغار التشكيل على موقع لصواريخ أرض\ أرض معادية من نوع فروغ7 شمال موقع اللواء 35 ودمرها عائدا في الساعة 9:45. وكان يقود التشكيل . وفي 8:195 اقلع تشكيل من ست طائرات أخرى متجه إلى مسرح عمليات الكويت KTO وكان هدفه موقع لصواريخ أرض\ أرض من نوع فروغ7 أيضا جنوب قاعدة علي السالم الجوية حيث نجح في تدميرها والعودة سالما في الساعة 9:47.
أما الموجة الثالثة من هجمات الطائرات الكويتية في اليوم الأول فقد أقلعت في مجموعتين مكونة من 8 طائرات في الساعة 14:24 ظهرا وفي 16:05 عصرا وكانت مهمتها تقتضي مهاجمة أهداف عراقية في منطقة الصبيحية،وقد عادت الطائرات سالمة إلا الطائرة رقم 828 بقيادة المقدم محمد مبارك . وقد اسقط الدفاع الجوي العراقي 8 طائرات للتحالف في الأسبوع الأول [7]، حيث سجلت دراسة للحرب الجوية 1991م إن إسقاط القنابل في أول مرور من قبل طيارو التحالف كانت أقل من المأمول ،وتوجد أسباب متعددة لذلك منها الارتباك في الأيام الأولى من القتال ،والمناورات الدفاعية المطلوبة للنجاة ،وتركيز التدريب على القصف من ارتفاع منخفض ، وما يلحق ذلك من الرياح المقاطعة الشديدة cross wind والجاذبية العالية للإسقاط [8]. لقد عز على البطل الكويتي أن يعود بقنابله دون ان يدك بها الأهداف المعادية التي تعذرت عليه في المرة الأولى مما اضطره للعودة وتدميرها والاستدارة عائدا ، لكن المضادات الأرضية العراقية أصابت جناح طائرته فقفز بالمظلة ليقع في الأسر وليذيقه العراقيون شتى أنواع المعاملة السيئة من دون بقية الأسرى من طياري التحالف . أما المجموعة الرابعة المكونة من 4 طائرات فقد أقلعت في الساعة 14:30 بقيادة المقدم خميس سلطان فرحان قصف راجمات صواريخ متحركة لتعود في الساعة 16:10.بعد نجاح مهمتها كما تم في اليوم الأول إلقاء 24 جهاز استشعار كان لها الأثر في تدمير دبابات واليات العدو[9].
أنضم سرب من طائرات الغزال الإماراتية إلى المفرزة 20 قبل بداية الحرب البرية ، وتم طلاء الطائرات باللون الرمادي ، ونقلت جميعها إلى قاعدة رأس المشعاب قرب الخفجي ، وقد سجلت طائرات الغزال من المفرزة 20 أول انتصار لها حين قامت الغزال الكويتية بقيادة المقدم أنور المطاوعة والرائد وليد العطار بالتعاون مع طائرة الرائد إبراهيم ناصر من القوة الجوية الإماراتية في اقتناص دبابتين عراقيتين على الحدود الكويتية السعودية[10] .
أشرنا سابقا إلى إن طائرات الميراج Mirage F1 الكويتية قد تم إبعادها عن الجبهة لتشابهها حد التطابق مع الطائرات العراقية من نفس النوع ، وعليه لم تشارك في الضربات الأولى ، وقد حاول العقيد محمود الرزوقي بوصفه مديرا للعمليات إقناع المرحوم العميد أحمد السديري مدير عمليات القوات الجوية الملكية السعودية بالإذن للميراج Mirage F1 في المشاركة ، لكن المحاذير كانت لا تزال قائمة[11] ،ثم جاء نجاح الحملة الجوية في جزئها الأول نتيجة تكامل التكتيكات الجوية وهجمات التحالف على الدفاعات الجوية العراقية في مسرح عمليات العراق ومسرح عمليات الكويت ،والهجمات على المطارات والملاجئ مما حدا بالقيادة المركزية إلى الإعلان أنه لم يعد هناك وجود للقوة الجوية العراقية كقوة مقاتلة فعالة في 27 يناير 1991م وان قوات التحالف قد حققت السيادة الجوية[12] . لكن قوة صواريخ العراق أرض \جو كانت ذات نجاح اكبر بكثير من طائراته ، وكانت كثافة دفاعه الجوي أكثر من أي مدينة في شرق أوروبا في الحرب الباردة ، بل كانت حول بغداد أكثر من سبعة أضعاف عدد قواذف الصواريخ ارض \جو التي كانت حول هانوي في حرب فيتنام . وكان لابد من خلق ممرات corridors في مسرح عمليات الكويت لتمكين طائرات الحلفاء من مهاجمة الأهداف الحيوية داخل العراق ، ولم يكن هناك خير من صقر الجو الكويتي لتنفيذ عمليات في مسرح يعرف تضاريسه مثل ظهر يده ، ولم تكن طائرات السكاي هوك كافية، فحاول الضباط الكويتيون الرائد يوسف الشايع والرائد عبدالكريم السمدان العاملون في مركز القيادة المشتركة في الرياض إقناع المسئولين بالسماح للميراج بالمشاركة ، وقد تبنى المقدم السعودي محمد العايش طلب إشراك الميراج الكويتية و استطاع إقناع قادة مركزالعمليات بالموافقة ، حيث تم نقل طائرات الميراج Mirage F1 من قاعدتها في الطائف الى الظهران وقامت بأول مهمة قصف لها في 5 فبراير 1991م ، ولأنه لم يكن مخططا لها أن تشارك أصلا فقد أدى دخولها الحرب الى استهلاك سريع للقنابل زنة 500 رطل وكان معنى ذلك توقف الأسراب الكويتية عن العمل ، لكن تدخل قائد القوات الجوية الأميركية الجنرال هورنر General Charles A. Horner أدى إلى فتح مخازن السلاح الأميركية على مصراعيه لسد حاجة صقور الجو الكويتيين من الذخائر .
علف الخيول الكويتية
حارب العراقيون وهم اقرب إلى توقع الهزيمة ، وقبول هذه الحقيقة لا يعني أنهم لم يكونوا ندا صعب المراس ،أما كيف كانت حالة قوات صدام خلال الحرب الجوية ؟ فيقول الفريق الركن رعد الحمداني آمر اللواء المدرع 17 التابع لفرقة حمورابي من الحرس الجمهوري ، ثم لاحقا قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني ،إن قواته كانت أثناء القصف في قاطع مسئولية العبدلي \ الروضتين \أم العيش ،حيث أيقضه احد جنوده “سيدي انهض الجو مليء بالطائرات ” بينما كانت وسائل الدفاع الجوي العراقية تطلق قذائفها دون جدوى ضد عدو لا تراه . حيث يقول ” وبشق الأنفس استطعنا إيقاف هذا الرمي الغير مجدي الذي كان ردة فعل عاطفية” ثم ذهب إلى المذياع ليلتقط خبر بداية حرب عاصفة الصحراء Desert Storm من إذاعة خليجية وليس من قيادته . ويكمل واصفا الأيام 39 الباقية “أحال القصف الجوي منطقة انفتاح قطاعاتي الى منطقة سوداء محفورة بمئات الصواريخ والمقذوفات المعادية ، وأكبرها الناتجة عن قنابل الطائرات B-52 Boeing ولم يكن أمامي عمل لرفع معنويات جنودي غير تفقدهم خلال القصف ومشاركتهم في فعالياتهم المختلفة ، وتحسين أرزاقهم ، حيث كنا ننقع الخبز بالماء لساعات كي يتسنى لنا آكله ، وفي احد الأيام تذكرت أنني شاهدت في أحد الإسطبلات الكويتية مئات الأكياس من الحنطة كعلف للخيول ، فأرسلت عددا من الشاحنات لجلبها ، وكانت أفضل بكثير من أشباه الحنطة التي كنا نأكلها[13].”
يذهب كوردسمان Anthony H. Cordsman[14] إلى إن حرب تحرير الكويت قد شهدت ثورة في الشئون العسكرية ، وهي ثورة التكنولوجيا والمعلومات فقد أدي تطور الآلة العسكرية للحلفاء والتخلف التقني العراقي إلى أن العراق كان بمثابة الرجل الأعمى بينما كانت قولت التحالف تعرف وترى كل شيئ . لكن الأمر لم يكن بمثل هذا الحال على الدوام ،فلم يكن منتسبي القوة الجوية الكويتية من الطيارين والفنيين في عمليتي درع الصحراء DESERT SHIELD أو عاصفة الصحراء Desert Storm ليصلوا في عددهم إلى الألف رجل، دون إغفال حقيقة أن صقور الجو الكويتيون كانوا أكثر الطيارين معرفة بمسرح عمليات الكويت، والأكثر همة وطلبا للقتال . فقد كانت طائراتهم قديمة ولا تستطيع الطيران في الليل ، ورغم ذلك وصلت ساعات الطيران لكافة الطائرات الكويتية إلى 3273 ساعة في 2028 مهمة كما أن الطائرة سكاي هوك A-4 SkyhawK خصوصا كانت أكثر طائرات حرب تحرير الكويت تجربة يعتمد عليها ففي تاريخها القتالي حروب فيتنام وحرب 1967م وغيرها من النزاعات الإقليمية الكثيرة .لقد نحجت القوة الجوية الكويتية في المشاركة في تحقيق هدف الحملة الجوية وهو ضغط متزامن ودائم وتراكمي على لقوات العراقية في مسرح عمليات الكويت[15] .
ورغم اقتراب مرور عقدين تقريبا على الحملة الجوية لتحرير الكويت ، ورغم كثرة صور طائرات وصواريخ تلك الحرب إلا أن صورة واحدة انتزعت القدرة على البقاء من بين تلك الصور ، وأصبحت من كلاسيكيات حرب تحرير الكويت ، وفيها تظهر طائرة الغزال الكويتية بقيادة المقدم عبيد العنزي وهي محلقة على ارتفاع منخفض ، حيث نجحت في أسر 400 جندي عراقي شمال الخفجي . حيث لم يحدث في الحروب مطلقا أن استسلم جنود مشاة وهم على الأرض لطائرة في السماء [16].
[1] صابر السويدان وظافر العجمي ، تاريخ الجيش الكويتي ، الطبعة 2 ، 1999، ص428.
[2] . صابر السويدان. القوة الجوية الكويتية ،الطبعة 2، 1994م ص97
[3] .السويدان، مصدر سابق ، ص98.
[4] .رعد مجيد الحمداني (فريق ركن قائد فيلق الحرس الجمهوري 2). قبل ان يغادرنا التاريخ ،الدار العربية للعلوم ، بيروت 2007، ص 237.
[5]. يفغيني بريماكوف. حقول ألغام السياسة ، دار الفكر، دمشق،160.
[6] . صابر السويدان وظافر العجمي ، تاريخ الجيش الكويتي ، الطبعة 2 ، 1999، ص451.
[7] . انتوني كوردسمان . دروس الحرب الحديثة ، ترجمة ابوغزالة ، 1997م ،ص527.
[8] . انتوني كوردسمان . دروس الحرب الحديثة ، ترجمة ابوغزالة ، 1997م ،ص599.
[9] . السويدان .تاريخ القوة الجوية ، ص 100.
[10] .السويدان، تاريخ القوة الجوية ، ص101.
[11] صابر السويدان وظافر العجمي ، تاريخ الجيش الكويتي ، الطبعة 2 ، 1999، ص451
[12] .انتوني كوردسمان . دروس الحرب الحديثة ، ترجمة ابوغزالة ، 1997م ،ص558.
[13] .الحمداني ، مصدر سابق ، ص 237-238.
[14] . انتوني كوردسمان . دروس الحرب الحديثة ، ترجمة ابوغزالة ، 1997م ،ص15.
[15] .كوردسمان ، مصدر سابق ، ص577.
[16] . صابر السويدان وظافر العجمي ، تاريخ الجيش الكويتي ، ص453.
قم بكتابة اول تعليق