العقيد الركن م ظافر مراد
وصلت الحرب على غزة بعد عملية طوفان الأقصى إلى مستويات غير مسبوقة من القصف الممنهج على البنى التحتية والمناطق المدنية والأعيان المحمية بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، وهذا موضوع ليس بجديد، فإسرائيل تعتمد دائماً في حروبها على “إستراتيجية الثأر المؤلم” فهي توجِّه الضربات للمدنيين عن قصد، لا يهمها النتائج والعواقب، وتاريخها في هذه الإستراتيجية معروف، فلا ينتظر أحد أية مواقف دولية فاعلة أو أي إجراء من المحكمة الجنائية الدولية، فإسرائيل رفضت إنشاءها منذ البداية، وبالتالي فهي غير معنية بأية إلتزامات أو قرارات تتَّخذها هذه المحكمة.
يستمر الجيش الإسرائيلي في قصفه المدمر على غزة، وترُد حركة حماس والفصائل الفلسطينية هناك برشقات الصواريخ على المدن والمستوطنات الإسرائيلية، لقد طال الوضع على هذه الحال، وهذا يفاجيء البعض، ولا يفاجيء الخبراء العسكريين، حيث أنَّ السؤال الكبير هو: متى سيبدأ الجيش الإسرائيلي بدخول غزة ؟ والجواب ببساطة هو: عندما يصبح الجيش جاهزاً.
لا زال الجيش الإسرائيلي في مرحلة ما يُسمى “التحضير الإستعلامي لحقل المعركة” (IPB- Intelligence Preparation of the Battle space) وقد تأخذ هذه المرحلة وقتاً طويلاً، والهدف من هذا التحضير هو معرفة كافة المعلومات الضرورية عن أرض المعركة، وأهمها حجم وتمركز القوى المدافعة، طبيعة الأسلحة المستعملة في الدفاع، أساليب القتال المعتمدة من قبل المدافعين، خرائط الأنفاق كاملة، وأخيراً والأهم أماكن تواجد الأسرى وكيفية توزيعهم لمعرفة كيف يجب تنسيق عمليات الإنقاذ والإخلاء، مع الإشارة إلى وجود أميركيين وأجانب آخرين من ضمنهم. لقد استحضر الجيش الإسرائيلي خبراء من دول داعمة له للمشاركة في التخطيط ولتزويده بكافة المعلومات الضرورية مستفيداً من أحدث التكنولوجيات في الرصد والمراقبة من الجو والبحر والبر، ومن التنصت الإلكتروني والحرب السيبرانية، وبإنتظار الإنتهاء من هذه المرحلة، يقوم الجيش الإسرائيلي بإستهداف قياديي حماس الواحد تلو الآخر، بهدف زعزعة منظومة القيادة والسيطرة لديهم.
ستكون معركة غزة إن حدثت، “معركة الأدلة المفقودة” فسيمنع الجيش الإسرائيلي الإعلام من إصدار أي معلومات أو صور أو فيديوهات توثِّق مجريات المعركة باستثناء ما يريده هو، وذلك لسببين، الأول يتعلق بإخفاء خسائره المتوقعة بحجمٍ كبير والتي ستتسبب بإحباط كبير لدى قياداته وجنوده، والثانية لإخفاء استخدامه للأسلحة غير التقليدية بما فيها الغازات السامة والمخدرة والتي سيستعملها في الأنفاق، إضافة إلى القنابل الفوسفورية والعنقودية وغيرها من الوسائل المحرَّمة دولياً، أمَّ بالنسبة لتوقيت الهجوم، فسيكون توقيته مفاجئاً وربما مرتبطاً بشيء له رمزيته، مثل فجر يوم الجمعة أو فجر يوم السبت.
بالنسبة إلى خطة الهجوم، فهي على الأرجح ستكون ثلاثية الأبعاد، متناسقة ومتزامنة من البر والبحر والجو، وسيتم تقسيم منطقة العمليات، والمفترض أن تكون شمال وادي غزة، إلى أهداف مرحلية تكون عبارة عن مربعات سكنية يتم قضمها وإحتلالها عبر مراحل متتالية، وستكون المرحلة الأولى احتلال بيت حانون وبيت لهيا وتطويق جباليا والشجاعية، ولكي يتحاشي الجيش الإسرائيلي الإشتباك من عدة اتجاهات في نفس الوقت، سيهاجم في المرحلة الأولى زوايا شمال القطاع الغربية والشرقية ووسط القطاع في المناطق المفتوحة، مستفيداً من عمليات إبرار على الشاطيء وإهباطات من الجو في النقاط الهامة والإستراتيجية، وسيتم ذلك بالتزامن مع عزل المنطقة الشمالية عن الجنوبية بواسطة الألغام والقنابل العنقودية والقصف المستمر والمركز لمنع القوات المدافعة من المناورة بحرِّية، وسيقدَّم لهذه العملية دعماً جوياً مستمراً وبكثافة عالية جداً وذلك بواسطة الطوافات الهجومية والمسيَّرات والطائرات القاذفة. سيستخدم الجيش الإسرائيلي في دخول الأنفاق على الأرجح، غازات مخدِّرة وغازات سامة ومواد حارقة وكلاب مقاتلة حاملة للمتفجرات، وروبوتات تعمل في ظروف قتال مماثلة.
في المقابل تُدرك حركة حماس أن الجيش الإسرائيلي سيرد على عمليته النوعية بعملية برِّية واسعة وغير محدودة، وهذه الحركة على الأرجح تُخبِّيء مفاجآت كثيرة في الميدان، لا أحد يعرف ما هي، وربما تتسبب بتأثيرٍ ووقعٍ مادي ومعنوي يفوق ما حدث جرَّاء هجومها الأول. تُعاني إسرائيل حالياً من خسائر معنوية غير مسبوقة، وخسائر مادية مباشرة وغير مباشرة هائلة، لقد أعلن رئيس الوزراء نتانياهو أن الحرب ستكون طويلة ومكلفة، ويشير توافد المسؤولين الغربيين بمستوياتٍ رفيعة إلى إسرائيل، وإستحضار حاملات الطائرات وقوات خاصة وخبراء عسكريين أن المسألة جدية وخطيرة أكثر من أي وقتٍ مضى، وقد تدفع إلى حربٍ كبيرة في المنطقة. أمَّا بالنسبة لأهداف إسرائيل النهائية من هذه معركة غزَّة فهي ما يلي:
- القضاء على حركة حماس، وجعل الأعداء غير قادرين أو غير مستعدين لتنفيذ أي هجمات مماثلة أو تهديد أمنها مستقبلاً (ويُقصد هنا الأعداء على كافة الجبهات).
- قضم الجزء الشمالي من قطاع غزة وجعله منطقة عسكرية غير صالحة للسكن، قد تضمها لاحقاً للأراضي المحتلة، وبذلك تضع يدها على حقل “غزة مارين” الذي يحتوي على كميات كبيرة جداً من الغاز، تقدَّر قيمتها بعشرات مليارات الدولارات، وقد أشار نتانياهو إلى ذلك عندما أعلن صراحةً أنهم سيحددون من سيحكم غزة مستقبلاً.
- استعادة ما أمكن من الرهائن الأحياء، ومن ضمنهم الأجانب غير الإسرائيليين، وهنا يُعتقد أن قوَّات أميركية وغربية ستشارك في الجزء المتعلق بتحرير الرهائن وإخلاءهم من ساحة المعركة.
- التعويض المعنوي للجيش الإسرائيلي الذي تلقى ضربة معنوية وهزيمة نفسية أساءت إلى سمعته بدرجة كبيرة وغير مسبوقة، لذلك فهو بحاجة إلى عملية جبَّارة ودعائية تعيد له اعتباره على المستويين الداخلي والخارجي.
هناك العديد من الدول وأجهزة المخابرات التي تقدم الكثير من المعلومات للجيش الإسرائيلي، وتساعده في التدريب والتسليح وتقديم الخبرات اللازمة لتكون عمليته ناجحة في غزَّة، وهذه المعركة إن حدثت، ستكون نموذجاً عن المعركة الحديثة التي ستُطبق فيها أحدث الأساليب وتُزَج فيها أكثر أنواع التكنولوجيا العسكرية تطوراً، حيث أنَّ أهميتها تكمن بكونها “المعركة الأخيرة” وفقاً لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين ووفقاً لما يريده حلفاء إسرائيل، فهم أيضاً أصيبوا بشكلٍ مباشر بهذه الصفعة المدوِّية، أما من حيث توسُّع الصراع وامتداده ليطال دولاً وجبهات أخرى، فكل شيءٍ وارد، واحتمالات انفجار حرب إقليمية تزداد يوماً بعد يوم، ولكن المؤشرات التي تؤكد وقوع هذه الحرب قريباً لا تزال غير ظاهرة، على الرغم من الكثير من المواقف المتقدمة والتهديدات عبر وسائل الإعلام وعلى الأرض، وأبرز هذه المؤشرات هو “بناء التحالف العسكري” والاستعدادات الميدانية الضخمة لخوض هذه الحرب الكبيرة، لأنها ستكون حرباً شاملة لن تنتهي إلَّا بتغييرٍ جذري وحاسم في المنطقة.