داليا زيادة
استعرض وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، يوم 12 نوفمبر الجاري، مقترح الميزانية العسكرية لعام 2021، أمام لجنة الخطة والموازنة التابعة للمجلس الوطني الأكبر لتركيا، حيث فصّل خلوصي أكار الاستراتيجية العسكرية المستقبلية للقوات المسلحة، والمبنية بشكل كبير على طموحات تركيا التوسعية خارج حدودها، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأيضاً في البحر المتوسط وبحر إيجا.
يلخص التحليل التالي المقترح الذي قدمه خلوصي أكار في خمس نقاط رئيسية ترسم ملامح الاستراتيجية العسكرية لتركيا في عام 2021، ويضيف إليها بعض التوضيحات والملاحظات التي تساعد على تفسير دوافعها واحتمالات نجاح الجيش التركي في تنفيذها.
1. تخطط تركيا لمواصلة التدخل العسكري في ليبيا وأذربيجان تحت مظلة تقديم الدعم العسكري والمشاورات.
على مدار عام من الاتصالات النشطة، لا سيما على المستوى العسكري، مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، نجحت تركيا في تحويل ليبيا إلى تابع مخلص. فقد كانت الخطوة الأولى لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار في ليبيا، عام 2019، هي توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع جيش حكومة الوفاق الوطني، على غرار ما وقعته تركيا مع أذربيجان في عام 2010. بحسب هذه الاتفاقية، يمكن للبلدين “تقديم دعم عسكري لبعضهم البعض عند المطالبة بحق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة”. وبهذه الخطوة، فاز الجيش التركي بالحق في توجيه صناعة القرار العسكري داخل ليبيا، وتدريب الجنود والطلاب الليبيين في الكليات العسكرية التركية، ونشر المعدات العسكرية التركية، وإنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي الليبية. وقد اعتبرت مصر هذه الاتفاقية وما ترتب عليها من وجود تركي في ليبيا بمثابة تهديد لأمنها القومي، إذ أن مصر والإمارات تدعمان جبهة الجيش الوطني الليبي التي يتزعمها المشير خليفة حفتر ضد جيش حكومة الوفاق الوطني المدعوم من تركيا وقطر. جدير بالذكر أن الجيش التركي والدولة التركية ككل، تعتمد بشكل كبير على تمويل قطر للعمليات العسكرية التركية في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط. وكان وزير الدفاع في حكومة الوفاق الليبية قد وقّع بروتوكول تعاون عسكري مع وزارة الدفاع القطرية، يوم 13 نوفمبر.
2. تخطط تركيا لمواصلة العمليات العسكرية في سوريا والعراق تحت غطاء مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، ألمح خلوصي أكار إلى أن تركيا حريصة على إعادة بناء علاقات إيجابية مع الحكومة العراقية.
إن إيران وروسيا، اللذان يمثلان أكبر أصدقاء/ أعداء تركيا في المنطقة، متورطان بشدة في المشاهد الفوضوية التي نراها في سوريا والعراق، حيث أن روسيا تعتبر هي الحاكم الفعلي لسوريا، بينما تملي إيران وتسيطر بشكل شبه كامل على كل قرار – صغيراً كان أو كبير – في الحكومة العراقية. ولطالما كانت العلاقات بين العراق وتركيا غير مستقرة، حتى انقطعت كليًا في صيف 2020، عندما أطلقت قوات الحدود التركية، بطريق الخطأ، النار على نقطة تجمع للضباط العراقيين في شمال العراق، مما أسفر عن مقتل جنرالات عراقيين، ورفضت العراق على إثرها استقبال وزير الدفاع التركي الذي كان مخطط له زيارة العراق آنذاك. بالتوازي مع ذلك، يزداد موقف تركيا في شمال شرق سوريا ضعفاً بسبب تنامي النفوذ الروسي في المدن الحدودية السورية، والغياب المتوقع للقوات الأمريكية هناك في ظل إدارة بايدن المنتخبة حديثًا.
3. تركيا مصممة على مواصلة القتال من أجل حلم الوطن الأزرق في بحر إيجه وفي شرق البحر المتوسط. وفي هذا الصدد، قال خلوصي أكار إن تركيا “لم يعد بإمكانها تجاهل العلاقة بين اليونان ومصر”.
هناك خلاف سياسي آخذ في الاتساع بين تركيا ومصر، منذ 2013، على خلفية إسقاط نظام الإخوان المسلمين من السلطة في مصر. في الوقت نفسه، تتحرش تركيا بجارتها اليونان بشكل منهجي ومستمر في محاولة لإجبار المجتمع الدولي على إلغاء اتفاقية لوزان الموقعة عام 1922، وإعادة تعيين نقاط ترسيم جديدة في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط مما يسمح لتركيا بالحصول على حصة عادلة في أرباح التعدين في قاع البحار. نتيجة لذلك، وحدت اليونان ومصر قواهما لمواجهة تهديدات تركيا لأمنهما القومي والاقتصادي. في يناير، أنشأت مصر واليونان وقبرص وإسرائيل منتدى غاز شرق المتوسط، واستبعدت تركيا عمداً من الانضمام له. في المقابل، وقّعت تركيا اتفاقية بحرية عرفية مع ليبيا، على أمل أن تمنح تركيا حقوقًا للتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط. لذلك، في أغسطس، وقّعت مصر مع اليونان اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة، في إطار القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، من أجل إبطال الاتفاقية البحرية المزعومة، والغير قانونية، بين تركيا وليبيا. وفي الأسبوع الأول من شهر نوفمبر، زار الرئيس المصري السيسي العاصمة اليونانية أثينا، وألقى تصريحًا صحفيًا قال فيه إن “مصر تقف إلى جانب اليونان ضد أي استفزازات (يقصد من قبل تركيا) في البحر المتوسط”، وقبل ذلك بأشهر قليلة، وقفت فرنسا ضد تركيا في الناتو مدافعة عن اليونان. ولكن بالرغم من هذا الصراع المتصاعد، فإن هناك حقيقة يجب على المجتمع الدولي الانتباه لها، وهو أن تركيا هي الدولة صاحبة الشريط الحدودي الأكبر في البحر المتوسط (بطول 1870 كم) وليس من العدل أن تحرم من حقها في البحر المتوسط، وحصرها في حدودها البرية، بسبب اتفاقية لوزان التي وقعت منذ قرن مضى في ظل ظروف يغلفها ضباب الحرب آنذاك. على المجتمع الدولي أن يستمع لغضب تركيا ويبحث عن حل سياسي مناسب يضمن لها تمتعها بحقوقها في البحر المتوسط.
4. ستواصل تركيا اختبار نظام الدفاع الروسي إس-400، بينما تسعى لإعادة الانضمام إلى برنامج تصنيع الطائرات المقاتلة إف-35 الذي تقوده أمريكا. وقال خلوصي أكار إن تركيا مستعدة لمعالجة مخاوف الولايات المتحدة بشأن استخدام النظام الروسي إس-400 مع طائرات إف-16 الأمريكية، بما في ذلك أي مشكلات تتعلق بالتوافق التقني بينهما. وقال أيضًا إن أعضاء آخرين في الناتو قاموا بالفعل بشراء واستخدام نظام إس-300 الروسي في الماضي ولم يتم معاقبتهم من قبل الولايات المتحدة أو الناتو على القيام بذلك.
إن شراء واختبار نظام الدفاع الروسي إس-400، واختبار النظام سراً على مقاتلات إف-16 الأمريكية، كان هو السبب الرئيسي في طرد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة إف-35 بقيادة الولايات المتحدة، في يوليو، بعد أن كانت تركيا شريكة في برنامج إف-35 منذ بدايته في عام 1999. وجدير بالذكر أنه، في شهر أكتوبر، قبلت إدارة ترامب طلب الإمارات لشراء خمسين مقاتلة أمريكية من طراز إف-35، بعد أن وقعت الإمارات اتفاقية السلام مع إسرائيل، وعلى الرغم من الضغوط الإسرائيلية لمنع الولايات المتحدة من بيع مقاتلات إف-35 لأي دولة أخرى في المنطقة. وتنظر تركيا إلى دولة الإمارات دائماً على أنها خصم إقليمي، وذلك بسبب الجهود الحثيثة التي تبذلها الإمارات لمواجهة العمليات العسكرية التوسعية لتركيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. هذا بالإضافة إلى المقاطعة الدبلوماسية بين الإمارات وقطر، الحليف الأقرب والممول الرئيسي لأنشطة تركيا التوسعية في المنطقة. حتى أنه في شهر أغسطس، هدد الوزير خلوصي أكار، في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة القطرية “بمحاسبة أبو ظبي في الوقت والمكان المناسبين”. ورداً على ذلك، في شهر سبتمبر، انضمت المقاتلات الإماراتية من طراز إف-16 إلى القوات البحرية اليونانية في تدريب عسكري على جزيرة كريت، وقامت بالطيران فوق الحدود الغربية التركية، فيما بدا وكأنه درس تأديبي من الإمارات لتركيا.
5. دور تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) سوف يستمر في التطور والنمو.
تركيا هي ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو، وهي عضو في الناتو منذ عام 1952. مؤخراً، حاولت فرنسا قلب الناتو ضد تركيا على خلفية وجودها العسكري في البحر الأبيض المتوسط والصراعات السياسية الأخرى بين أنقرة وباريس. ولا يزال الجدل مستمراً، بين أعضاء الناتو الكبار، حول ما إذا كان يجب الاحتفاظ بتركيا داخل التحالف أو التخلص منها.
لمزيد من التفاصيل المثيرة للاهتمام حول استراتيجية تركيا العسكرية المستقبلية، شاهد العرض الكامل للاستراتيجية العسكرية التركية بواسطة وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار،عل هذا الفيديو. (الفيديو باللغة التركية):
قم بكتابة اول تعليق