علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية
وسط تصفيق كبير وتحية جماهيرية غير عادية، حيا جمهور ما يعرف بـ” السوبر باول” (رياضة كرة القدم الأمريكية) التي تقام بأحد الولايات الأمريكية مرور تشكيل من ثلاث طائرات قاذفة استراتيجية تابعة لسلاح الجو الأمريكي فوق أرض الملعب الذي أقيم عليه فعاليات تلك المباراة، حيث شاركت القاذفات الأمريكية في مهرجان الافتتاح، وقد سلبت الألباب بما تمثله من رمز للقوة والهيمنة التي تمتلكها الولايات المتحدة.
تعتبر القاذفات البعيدة المدى التي يمتلكها سلاح الجو الأمريكي أحد أسلحة الردع العتيدة والتي تعول عليها الولايات المتحدة في فرض هيمنتها على دول العالم التي لديها عداء معها. ومنذ الحرب العالمية الثانية، صار أحد بنود الهجوم الجوي، مهاجمة المدن المزدحمة لإشاعة الاضطراب وإضعاف الروح المعنوية للشعب، وقد تحقق ذلك منذ قيام القاذفات الأمريكية من طراز “B-29” بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بنهاية الحرب بالقنابل النووية لتحصد أرواح ما يصل إلى 75 ألف مدني من بينهم اطفالا ونساء وشيوخا.
مرت قيادة الطائرات القاذفة الطويلة المدى بسلاح الجو الأميركي بعدة مراحل من التغيرات التي أثرت في تركيبتها وكيانها كقوة ضاربة عالية الأهمية. ومن تلك التغيرات ما مرت به منذ اللحظة الاولى لبداية الحرب العالمية الثانية وكيف تطورت خلالها مرورا بتنفيذها لأول استخدام للسلاح النووي بواسطتها عبر قاذفات البوينغ “B-29” التابعة لسلاح الجو الأميركي فوق اليابان عام 1945، وما تلى ذلك من انهاء تلك الحرب الدامية واستسلام آخر دولة من دول المحور آنذاك، وهي الامبراطورية اليابانية، وبذلك تكون الطائرات القاذفة هي التي حسمت تلك الحرب.
باتت “B-52” قادرة في الوقت الحالي على إطلاق صواريخ جوالة عن بعد دون الحاجة إلى التحليق فوق أهدافها مباشرة
ومن ضمن تلك التغيرات ما ظهر بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة القاذفة العريقة التي لا تعرف الكلل “بوينغ B-52″ والتي تلقب بـ”ستراتوفورترس” أي “قلعة الستراتوسفير” وهي طبقة من طبقات الغلاف الجوي كناية عن تحليقها الشاهق.
مازالت “B-52” حتى يومنا هذا أثقل وأعرق قاذفة قنابل متعددة الاستخدام عرفها التاريخ. بوشر بتصميمها في العام 1946 كقاذفة نفاثة عابرة للقارات، حيث تمكنت شركة “برات أند ويتني” لصناعة المحركات من تصميم محركاتها النفاثة الثمانية من طراز “J-57” التي مكنت القاذفة “B-52” من التحليق لمدى طويل جدا دون الحاجة إلى التزود بالوقود إلا عند الحاجة. ويتألف طاقمها من ستة أفراد (طيارين ومشغل أسلحة وملاح إلى جانب إثنين فنيين).
صممت كقاذفة استراتيجية في بداية الحرب الباردة (1949 – 1991) لحمل قنابل نووية، ثم تحولت إلى قاذفة تقليدية لحمل قنابل اعتيادية واستخدمت في قصف عدة مدن ومواقع في فيتنام، وشاركت بعد ذلك في حروب عدة، منها حرب عاصفة الصحراء قبل 30 سنة وأبلت بها بلاء حسنا، وحرب البلقان بعد ذلك وقد يتساءل البعض منا، ما السبب وراء استمرار هذه القاذفة حتى يومنا الحالي..؟ والإجابة هي في أن بدنها الذي يعود تصميمه إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية يعد مناسبا للعمل كمنصة لحمل وإطلاق كل ما يمكن أن يكون متاحا وما سيأتي مستقبلا في الترسانة الأمريكية، حيث يمكنها أداءها العالي للعمل من على ارتفاعات شاهقة وبسرعة دون صوتية لكن عالية من ذلك.
يذكر أن ما مجموعه 85 قاذفة “B-52” قد شاركت بنسبة 3% من الطلعات الجوية خلال عاصفة الصحراء عام 1991 لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي، لكنها قصفت أهدافا بنسبة 35% من الحمولة الكلية لتلك الحرب. تحدت خلالها أنظمة الدفاع الجوي العراقية من مدافع مضادة للطائرات إلى صواريخ “سام” لكن لم يتم إسقاط أي منها رغم تلقي بعض منها أضرارا نتيجة لتلك الدفاعات وهو ما يبين متانتها وقدرتها على النجاة.
باتت “B-52” قادرة في الوقت الحالي على إطلاق صواريخ جوالة عن بعد دون الحاجة إلى التحليق فوق أهدافها مباشرة، وينوي سلاح الجو الأمريكي إبقاءها حتى العام 2055 وهو ما يشبهه أحد قادة سلاح الجو الأمريكي بقيادة سيارة جدك نظرا لعمرها المديد الذي فاق أعمار طياريها.
يتبع..
قم بكتابة اول تعليق