الأزمة الأوكرانية.. ماذا لو نصب الغرب لروسيا فخا محكما!

علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية

التصعيد الروسي نحو أوكرانيا بات مصدر القلق الأول الذي يتم تداوله في الأوساط الدولية والإعلامية، لدرجة باتت تطغى حتى على موجة الجائحة للفيروس التاجي أو ما يعرف باسم “كورونا كوفيد-19” ومتحوره الأخير “أوميكرون”  الذي يجتاح العالم رغم حملات التلقيح الهائلة التي قامت بها الأوساط الصحية في دول العالم. 

 ومع استمرار الحشود الروسية للقوات يشير البعض بأن الغزو الروسي لأوكرانيا قد بات وشيكا. 

 ويرجع جذور هذا التصعيد إلى نية أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو مما تراه القيادة الروسية تهديدا  مباشرا وتقويضا  لنفوذها الإقليمي. 

لكن مع حدة التوتر والتكهنات من هنا وهناك، يبدو لي أن روسيا ربما تكون قد أرغمت في الدخول بها، وأنا هنا لا أميل لأي من الأطراف عدا عن أمر قد استرعى انتباهي يتعلق بسيناريوهات سبق أن تكهنت بمثل هذه الأزمة منذ عقود مضت. 

ففي عام  1998  نشرت رواية كتبها كلا من كاسبر واينبرغر وزير الدفاع السابق في عهد ريغان بولايته الثانية، و بيتر شوايتزر وهو باحث في معهد هوفر للحرب بالولايات المتحدة الأمريكية  ،عنوانها “الحرب المقبلة” أو ”The Next War” وكتبت مقدمتها رئيسة الوزراء البريطانية المخضرمة والملقبة بالمرأة الحديدية “مارغريت تاتشر”. 

وتتناول الرواية الخيالية والمبنية على تنبؤات وتنظيرات مستقبلية من قبل كل من واينبرغر و شواتزر عن خمسة سيناريوهات لحروب متوقع حدوثها أحدها كان مع روسيا، حيث توقع واينبرغر وشواتزر  أن  يتقلد الحكم  في روسيا رئيس ذو قبضة حديدية ولديه ميول للعودة إلى العهد السوفياتي البائد في استعادة زخم الحرب الباردة ضد الغرب، وهو ما يكاد يتطابق مع شخصية الرئيس الروسي الحالي فلاديمر بوتن. 

يقرر ذلك الرئيس المفترض كما تقول الرواية، أن  يشن هجمات مباغتة على أوروبا منطلقا  من احتلال بولندا واحتواء كافة الجمهوريات السوفياتية المستقله ثم الزحف على أوروبا إلى أن تصل القوات الروسية إلى القنال البريطاني لتبدأ حرب باردة بعد ذلك مع بريطانيا والولايات المتحدة أشبه بتلك التي بدأت عند إقامة جدار برلين. 

لم يستبعد المؤلفان استخدام روسيا لأسلحة نووية لكن تكتيكية وليست استراتيجية حين يستعصي عليها دخول أحد دول حلف الناتو كألمانيا وفرنسا. 

أما السيناريو التالي فهو يتمثل برواية حديثة نوعا ما قام بتأليفها الجنرال السير / ريتشارد شيريف (General Sir / Richard Shirreff) المتقاعد والذي كان قائدا للدبابات خلال مشاركته في عاصفة الصحراء عام 1991 ومن ثم تقلد مناصب عدة بالجيش الملكي البريطاني. 

في عام  2016  نشر للجنرال سير شيريف أول كتاب له ، وهو عبارة عن رواية خيالية لحرب مع روسيا تقع حديثا   عنوانها ”حرب مع روسيا 2017″  (2017 War With Russia) وكيف أن رئيسها الحالي بوتين لا يمكن الوثوق به بتاتا، ويخبرنا شيريف في روايته التي هي عبارة عن تحذير مبطن على شكل رواية، كيف أن الحرب مع روسيا قد باتت أمرًا مسلما به وأنها مسألة وقت فقط كي تقوم روسيا بغزو ممنهج للجمهوريات السوفياتية المستقلة تباعا، مهددة دول حلف  الناتو ومستشهدا   بما قامت به روسيا في ضرب جورجيا عام  2008  وغزو القرم بأوكرانيا عام 2014 دون أية عواقب أو تحرك من الغرب، وفي حين أن الترسانة النووية لبعض دول الحلف قد يعتقد مالكوها أنها قد تردع روسيا عن القيام بمزيد من التوسع، ويجادل الجنرال سير شيريف بالعكس تماما من أن احتواء روسيا يمكن عبر استخدام الحرب السايبرية ملمحا بشكل غير مباشر لسلاح سري تمتلكه كل من بريطانيا وربما الولايات المتحدة يمكنه أن يحدث انقلابا  ثوريا  شاملا  نحو ردع الروس دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.   

خلاصة القول .. إن السيناريوهات المذكورة أعلاه، قد توضح نقطتين هامتين. 

الأولى: أنه قد يكون نشر هذه الروايات مجرد حدس عسكري استراتيجي سياسي بمحض الصدفة.

 أو النقطة الثانية: أن الغرب منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قد وضع في حسبانه احتواء روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي فور تحسسهم لمحاولة استعادة زخمها الأمر الذي يعني أن بوتين قد سرى عليه المثل القائل: 

(مرغم اخاك لا بطل) وأن هذه ستكون لها أبعادا عميقة نحو تحكم الغرب في زمام الأمور خشية ظهور قوة مناوئة لها والتي تتمثل في الوقت الراهن بالصين. 

إن من مصلحة الصين أن يحدث مثل هذا الصراع الذي قد يتحول إلى مواجهة نووية شاملة قد لا تبقي ولا تذر بين الغرب ورسيا، عملا بالمثل القائل: (حط حيلهم بينهم) فيدمر أحدهما الآخر لتصبح الساحة الدولية بعد ذلك سانحة للصين لفرض نفوذها على ما تبقى من العالم، هذا إن تبقى منه شيئا يذكر فتتسيده. 

حقيقة؛ كل شيء وارد في ظل الفوضى وعدم الوضوح العالمي نتيجة لما أحدثته الجائحة الحالية من أضرار بالغة بالمجتمع الدولي. 

صحيفة الغد الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*