علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية
تتعرض منظومة صواريخ “باتريوت” الأمريكية المضادة للصواريخ والأهداف الجوية إلى انتقادات حادة، خصوصا وأنها تتصدى حاليا للهجمات التي يشنها الحوثي ضد المملكة العربية السعودية والتي تخوض حربا معه هناك. والحقيقة أن هذه المنظومة تعد نجاحا كبيرا للصناعات الجوية الأمريكية وليس كما يصفها منتقديها بانها “عرجاء” وذلك لعدة اسباب وأمور فنية سنوضحها في موضوعنا التالي.
تبلورت فكرة المنظومة عام ١٩٦١ وكان يفترض منها الحلول محل منظومة HAWK المحسنة. وننوه هنا الى ان اسم الصاروخ وهو PATRIOT لا يعني هنا الوطني باللغة الإنجليزية وإنما اختصارا لـ: Phased Array Tracking Radar to Intercept on Target وتعني : نظام الرصد بالمصفوفة الرادارية لاعتراض الأهداف. وحصلت شركة راثيون على عقد التطوير عام ١٩٦٧ وجرى اختبار إطلاق أول جيل عام ١٩٧٠ من PAC 1 أو (Patriot Advanced Capability 1) الا ان المشروع جمد لفترة الى ان قام الرئيس ريغن باعادة انعاشه في منتصف الثمانينات وتعديله كي يتمكن لاعتراض الصواريخ التكتيكة السوفياتية في القارة الأوروبية.
أن الباتريوت كان مخصصا في الأساس كصاروخ مضاد للأهداف الجوية من طائرات ومركبات جوية وليس الصواريخ التكتيكية.
ويتضح لنا هنا أن الباتريوت كان مخصصا في الأساس كصاروخ مضاد للأهداف الجوية من طائرات ومركبات جوية وليس الصواريخ التكتيكية. الا انه جرى تعديل الجيل الأول والذي يطلق عليه PAC 1 لاعتراض الصواريخ التكتيكية والمتوسطة المدى في الميدان ليصبح من فئة الجيل الثاني PAC 2 وصولا إلى الأحدث والأكثر تطورا PAC 3 الذي أثبت نجاحه بعد ذلك خلال اجتياح العراق عام ٢٠٠٣ من قبل القوات الامريكيه.
عاصفة الصحراء 1991
كانت مشاركة منظومة الباتريوت في عاصفة الصحراء عام 1991 حينما احتشدت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من أجل طرد القوات العراقية الغازية نتيجة احتلالها لدولة الكويت، ونظرا لامتلاك صدام حسين لترسانة من الصواريخ البالستية المتوسطة المدى من طراز “سكود” ونسخه المطورة محليا “الحسين” و “العباس” فإن قوات التحالف ارتأت أن تنشر عددا من بطاريات صواريخ “باتريوت” للتصدي لهذه الصواريخ وكي تقيم مدى كفاءتها على أداء ذلك خصوصا وأن ميدان المعركة يعد فرصة ذهبية للاختبارات الحقيقية المجدية.
آلية عمل منظومة باتريوت
تتكون المنظومة من محطة السيطرة التي تقوم بتحديد أولوية اهمية الاهداف وعلى معطيات الاقمار الصناعية في كشف اطلاق العدو لصواريخه بمجرد تشغيل محركاتها وانبعاث الحرارة منه، وتحسب مسار الصواريخ عبر الاتصال مع مراكز القيادة، ثم تقوم حزمة رادار المنظومة الارضية بانارة الهدف، حيث يقوم رادار الصاروخ بعد ذلك بالتقاط الانعكاسات، عبر هوائيات خاصة وبعد نقل البيانات الى نظام الارشاد يقوم باطلاق الصاروخ بعدها متجها الى هدفه.
ميزة ‘الباتريوت’ انه يعمل عبر الكمبيوتر، حيث من المعروف ان الكمبيوتر يعمل بسرعة أضعاف عن القدرة البشرية، ولو كان الانسان هو صاحب القرار لربما امر بالرد اما مبكرا او متأخرا فتضيع مزايا الصاروخ الذي لا يعترض اهدافه الا في الثلث الاخير من سيرها ليحدد خطها تماما، وبالتالي يضمن اصابتهاِ ويستطيع نظام التتبع رصد 50 هدفا دفعة واحدة وتحديد مسارها والاشد خطورة منها، وتستطيع بطارية ‘باتريوت’ التعامل مع 5 اهداف دفعة واحدة.
الإخفاقات الأولى
اثبتت التحاليل ان الصاروخ ‘باتريوت’ لم يكن بالفاعلية التي وصف بها بعد عملية ‘عاصفة الصحراء’ عام 1991، واتضح ذلك من خلال الدراسات التي اعدها البنتاغون ‘وزارة الدفاع الاميركية’، والتي اشارت الى ان اغلب تلك الصواريخ كانت تنفجر بعيدا عن صواريخ ‘سكود’ المعدلة العراقية الصنع دون ان تصيبها، وانها لم تدمر الا اعدادا محدودة من اجمالي الصواريخ العراقيةِ كما كشف المراقبون عن نقاط ضعف في النظام اهمها ان الاعتراض غالبا ما يتم على مسافة قريبة جدا من الهدف المدافع عنه أو فوقه تقريبا مما ادى الى حدوث خسائر من جراء تساقط اجزاء من الحطام فوق الهدف، وكان الحادث الذي نجم عنه خسائر كبيرة خلال ‘عاصفة الصحراء’ عام 1991 عندما طرأ خلل في كمبيوتر منظومة ‘باتريوت – PAC-2’ مما ادى لتوقفها عن العمل فسقط صاروخ ‘سكود’ برأسه الحربية على سكن افراد من القوات الاميركية نتج عنه مقتل 28 وجرح 100 فرد.
اثبتت التحاليل ان الصاروخ ‘باتريوت’ لم يكن بالفاعلية التي وصف بها بعد عملية ‘عاصفة الصحراء’ عام 1991.
مرحلة ما بعد العاصفة
طور النموذج الثالث من “الباتريوت” وهو PAC 3 عبر الاستفادة من معطيات حرب عاصفة الصحراء وبالتالي صمم كي يصيب الهدف مباشرة اي Bullet to Bullet اي رصاصة برصاصة من دون الحاجة إلى رأس حربية بل بالاعتماد على الطاقة الحركيةkinetic energy للصاروخ الفائق السرعة.
ولذلك تم انفاق اكثر من مليار دولار لجعل ‘الباتريوت’ اكثر كفاءة للأمد الطويل لتفادي التهديدات المستقبلية ويعرف النموذج الاخير المطور من ‘الباتريوت’ بالـ PAC-3 ومقارنة مع سابقه فالـ PAC-3 أخف وزنا، واسرع واكثر مرونة ورشاقة وقادر على التصدي للصواريخ الجوالة (كروز) وهو مصمم لتدمير الهدف مباشرة بواسطة طاقته الحركية من دون الحاجة الى رأس حربي كبير نظرا لدقته. والنموذج الاخير لديه الامكانية على التعامل مع عدة اهداف آليا، وهو يشترك مع سابقه ببعض وحدات منظومته كالرادار الواحد، وعربة قيادة وسيطرة واحدة (محطة التشغيل) وهي الوحدة المأهولة الوحيدة في المنظومة وتحتاج الى 3 مشغلين، اضافة الى مولد طاقة واحد. اما نقاط اختلافه مع سابقيه هو ان قواذفه تحتوي على 8 صواريخ بدلا من 4 كون PAC-3 اصغر حجما.
الإخفاقات الثانية
لم يكن بحسبان القوات الأمريكية التي اتخذت الكويت محطة انطلاق لها لاجتياح العراق عام 2003، ان تشكل صواريخ “سيلكوورم” الصينية الصنع المضادة للسفن أن تتمكن من إبطال مفعول منظومة الباتريوت 3 التي يفترض أنها الأحدث، حيث تبين أن هناك ثغرة دفاعية بها تسمح بمرور أهداف متسللة على ارتفاع منخفض وبسرعة بطيئة نسبيا دون أن ترصدها وإن رصدتها فإنه يتعذر التعامل معها. فقد كان التركيز كبيرا على خطورة الصواريخ التكتيكية من فئة ارض ـ ارض من نوع ‘سكود’ ومشتقاتها العراقية ‘الحسين والعباس’ والتي يصل مداها الى 300 كلم، وكيف ان صواريخ ‘باتريوت’ المتطورة المضادة للصواريخ من فئتي PAC – 2 الموجود لدى الجيش الكويتي والاحدث PAC -3 بحوزة الجيش الاميركي، يمكنها التعامل مع اخطارها مما يعني ان العملية (عملية اعتراض تلك الصواريخ) قد تمت معالجتها مسبقاِ الا ان شيئا ما قد حدث في الايام الاولى للحرب مع العراق قد بين ان هناك عنصرا مفقودا لدى المنظومة الدفاعية ضد الصواريخ والاهداف الجوية المخصصة للدفاع عن الكويت والقوات الاميركية والحليفة فيهاِ تمثل في سقوط صاروخ سطح ـ سطح (مضاد للسفن) قرب ميناء ومصفاة الشعيبة الحيوي في جنوب البلاد في البحر من دون ان يخلف اي خسائر تذكر المسؤولين العسكريين لمدى خطورة تلك الصواريخ حتى حدثت عملية اصابة السوق التجاري قرب احد شواطئ العاصمة الكويتية، ادى الى خسائر مادية محدودة واصابة شخصين بجروح، ومن تلك اللحظة تبين أن منظومة باتريوت بجميع فئاتها لا يمكنها من التعامل مع الأهداف المتسللة على ارتفاع بالغ الانخفاض مثل صواريخ كروز والأخط المركبات الغير مأهولة والمسيرة عن بعد وذات السرعات البطيئة نسبيا حيث يتسبب ذلك في إرباك أنظمة الرصد بالمنظومة.
الجبهة الجنوبية
نعود إلى الوفت الحالي وتحديدا الجبهة السعودية / اليمنية التي تشهد صراعا عنيفا خصوصا هذه الفترة، والتي تتمثل في شن الحوثي لهجمات متعددة على المملكة باستخدام تكتيك تبناه من قبل النظام الإيراني الذي زوده بالسلاح والعتاد والمشرفين. هذا التكتيك يعتمد على التقليل من قدرة منظومة باتريوت على التعاطي مع الأهداف المتعددة عبر إرباك وحدة الرصد بها باستخدام صواريخ بالستية بالتزامن مع إطلاق أسراب من الطائرات المسيرة عن بعد (الدرونز) والتي تتفاوت سرعاتها ما بين بالغة السرعة كالصواريخ وبين تلك البطيئة السرعة كالدرونز مما يتسبب في التقليل من فعالية منظومة باتريوت وتجد بعض تلك الصواريخ والدرونز طريقها إلى أهدافها.
أولا يجب عدم الحكم على إخفاق منظومة الباتريوت PAC-2 التي لدى القوات السعودية وذلك يرجع إلى عدة نواحي. أهمها أن المنظومة السعودية ليست كتلك التي لدى الولايات المتحدة الأمريكة حيث تفتقر إلى عنصر هام وهو الأقمار الصناعية التي تعمل على التقاط تلك الأهداف وخصوصا الصواريخ البالستية التي ما إن يتم إشعال محركاتها حتى تلتقطها مجسات الأشعة تحت الحمراء لتلك الأقمار.
ثانيا: في بداية الأمر لم يكن لدى القيادة السعودية للقوات هناك الخبرة الكافية في العاطي مع التكتيك الحوثي (الإيراني) ولكن مع مرور الوقت تمكنت من إبطال زخم هجماته عبر التعامل مع الأهداف بانتقائية دقيقة بحيث باتت بعض الأسلحة الخفيفة هي التي تتعامل مع بعض طائرات الدرونز وتدميرها دون خسائر واستنزاف في الموارد كصواريخ باتريوت وإيبقاء الباتريوت للتعامل مع الأهداف الثقيلة التي صمم لردعها وتدميرها بكفاءة عالية. وهذا سبب تمكن القوات السعودية للدفاع الجوي مؤخرا من إبطال فعاليات الكثير من الهجمات الخطيرة بنسبة عالية تسترعي الإطراء.
في الختام .. باتت أنظمة الدفاع الجوي تتكون من خليط متجانس من عدة منظومات متكاملة كل حسب مهامه ولم تعد منظومة واحدة يناط بها التصدي لكافة المخاطر كما كان في السابق.
قم بكتابة اول تعليق