كيف حسنت التكنولوجيا والبحث العلمي وجه إسرائيل أمام العالم؟

كيف حسنت التكنولوجيا والبحث العلمي وجه إسرائيل أمام العالم؟
كيف حسنت التكنولوجيا والبحث العلمي وجه إسرائيل أمام العالم؟

أ.د. غادة عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنها
زميل كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

في غضون بضعة عقود أصبح الكيان الاسرائيلي الذي يبلغ عدد سكانه 8 ملايين نسمة من الرواد في مجال الابتكار في مجال التكنولوجيا الفائقة. فقد أدرج مؤشر الابتكار العالمي لعام 2016 الذي تنشره شركة “بلومبرغ” إسرائيل في المركز الأول بين جميع دول العالم في البند الخاص بالإنفاق على الأبحاث والتطوير. كما احتلّت إسرائيل المركز السابع بين دول العالم في البند الخاص بأكبر تجمع لشركات خاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة على أراضيها. كما تقدمت إسرائيل وفق مؤشر الابتكار على دول مثل بريطانيا وهولندا وكندا لتحتل المركز الحادي عشر.  كما صنفت في نفس التقرير، أنها على وشك ان تكون من أوائل البيئات الابتكارية الناجحة في العالم. وهذا ما حدث بالفعل ففي التقرير الصادر من “بلومبيرغ” عام 2020 احتلت إسرائيل المركز الخامس بشكل عام على مستوى العالم في مجال الابتكار (أي في الأداء في البحث والتطوير والتعليم التكنولوجي وبراءات الاختراع وعلامات أخرى للبراعة التكنولوجية) وهو ارتفاع كبير جدا عما كانت عليه منذ ثلاثين عاماً.

@profghadaamer

كيف حسنت التكنولوجيا والبحث العلمي وجه إسرائيل أمام العالم؟#غادة_عامر

♬ Scary music horror mystery(1040775) – parts di manta

كيف تحول هذا الكيان الذي كانت نشأته مصطنعة، أنشأ بعدوان، وزرع بغصب في وسط دول ترفض اساليبه الاستلائية، فهو ليس مجرد دولة قومية تقليدية، بل هي بوتقة لصهر ملايين المهاجرين من جنسيات وعرقيات مختلفة، كما إنه ليس بدولة لها حالة الاستقرار التي يفترض ان تكون عليه دولنا العربية، بل هو كيان كان من المفترض ان يكون متزعزع. فكيف ثبت وكيف حقق هذا الاستقرار وهذه القوة؟؟؟ وما هي السمات المميزة للاقتصاد المعرفي الإسرائيلي التي جعلت منه اقتصادًا رائدًا في سنوات معدودة تقدر بحوالي 70 عامًا هي إجمالي عمر هذا الكيان؟ وكيف تمكن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي تعزيز قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على النمو ؟

 القصة تبدأ منذ عام 48 عندما زرع الكيان الاسرائيلي في قلب الوطن العربي، فاتجهه الاسرائليون للعمل في مجال الابتكار بدافع قومي ووطني وديني، هو دعم وتقوية الكيان الاسرائيلي، لشعورهم الدائم إنهم محاطين بالأعداء، و أن مواردهم الطبيعية قليله، فمثلا كان عليهم زراعة القمح بطرق مبتكرة حتي يوفروا قوتهم و بالتالي الحفاظ على أمنهم الغذائي، و ايضا البحث عن الماء في قلب الصحراء، الى ان اصبحوا من اوائل العالم في تكنولجيا المياه،  كما تم دعم الشركات الابتكارية الناشئة في مجال أمن المعلومات للحفاظ على أمن المعلومات الاسرائيلية. وهم الان من أفضل شركات في هذا المجال، وفي مجالات تكنولوجية أخرى كثيرة حققوا مراكز متقدمة مثل الامن العسكري، وتصنيع الاسلحة، والطاقة النووية، وتقنيات النانو تكنولوجي، والتكنولوجيا الحيوية والجينات وغيرها من العلوم والتكنولوجيا المتقدمة. و هذا ما جعل إسرائيل أحد أهم مراكز الصناعات التكنولوجية المتطورة على مستوى العالم، وجذب إليها فروع التطوير التكنولوجي لشركات عالمية كبرى مثل إنتل وجوجل ومايكروسوفت، وهو ما كان له أكبر الأثر في زيادة الاستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات في إسرائيل إلى حوالي تريليون دولار في فترة وجيزة للغاية منذ بداية الألفية الجديدة. كما أنه في عام 2009 تصاعد عدد الشركات الإسرائيلية المسجلة في مؤشر الصناعات التكنولوجية الأمريكي ناسداك إلى حوالي 65 شركة وهو أعلى عدد للشركات الأجنبية في المؤشر بالمقارنة بحوالي 45 شركة كندية و6 شركات يابانية و5 شركات بريطانية و3 شركات هندية.

ومن العوامل الاخرى لهذا التفوق التكنولوجي لهذا الكيان، أن مؤسسات التعليم العالي تقوم بدور محوري في عملية تأهيل الكوادر الجديدة لسوق العمل، حيث تركز الجامعات الإسرائيلية على الشراكة مع نظيرتها الدولية في مجالات التكنولوجيا العالية مثل النانو تكنولوجي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والهندسة الوراثية وتطبيقات الحاسب الآلي. كما اعتنت إسرائيل بجملة من العوامل الإيجابية التي من شأنها الارتقاء بمستويات الابتكار والبحث العلمي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، محاربة الفساد المالي والإداري في مؤسسات البحث العلمي، حيث كانت عقوبة استغلال السلطة او تعطيل اي باحث او مبتكر تصل الي السجن لمدة 10 أعوام مع العزل من الوظيفة. كما عملت على توسيع هامش الحرية الأكاديمية للباحثين مع التأكيد لهم أنه لابد أن تكون بحوثهم موجهة لخدمة الأمور الدفاعية أو الاقتصادية الإسرائيلية.  التخلي قدر الإمكان عن مظاهر البيروقراطية والمشكلات الإدارية والتنظيمية لانها تقتل الابتكار في مهده، وتجعل المبتكر ينسى الابتكار ويفكر في هذه المشاكل. الإسراع الدائم في عملية نقل المعلومة التقنية من الدول المتقدمة والعمل على احلالها بما يتناسب مع ظروف الكيان. إحداث حراك دائم في مراكز البحوث الإسرائيلية، بحيث لا تبقى تحت قيادات قديمة مترهلة، غير مدركة لأبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي، لا سيما في العلوم التكنولوجية. مواصلة التدريب المستمر للباحثين الجدد، وعدم تهميشهم. فضلاً عن التعاون الوثيق مع الشركات المتخصصة في البحوث والتطوير لتكتمل دائرة التنمية البشرية التي تقوم بالأساس على استثمار الدولة وقطاع الأعمال في البشر لإكسابهم مهارات ومعارف تعود بالربحية على الاقتصاد الإسرائيلي. هذه باختصار جداً ما فعله الكيان الاسرائيلي ليتحول في عقل الكثيرين من كيان رائد في اغتصاب الاراضي الى كيان رائد يقدم الابتكار والتكنولوجيا لمعظم المجتمعات ومنهم المجتمع العربي!!!!

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*