علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية
حينما برزت الطائرة كسلاح فعال بعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) واستطاعت أن تلعب دورا أكبر في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) نتيجة للتطور الكبير الذي طرأ عليها، شكل ذلك منعطفا هاما نحو انطلاق هيبتها كسلاح فتاك بات مع مرور الوقت يحسب له ألف حساب إلى يومنا هذا. وقد اصبح القصف الجوي عنصرا ضروريا في إخضاع الخصم والتغلب عليه وأحد الأمور الأساسية في تمهيد أرض المعركة للقوات التي على الأرض أم في البحر.
وقبل الخوض في أي من التساؤلات السابقة ينبغي لنا أن نعلم أنه عندما تريد دولة ما توجيه ضربة استباقية قاصمة للظهر لدولة أخرى معادية لها، فإنها ستلجأ إلى استخدام سلاحها الجوي. ولكي تتمكن من تحقيق ذلك ينبغي لها أن تمتلك أسطولا من الطائرات القاذفة البعيدة المدى والقادر على التحليق لأي بقعة في الأرض وتنفيذ تلك المهمة؛ حيث إن الصواريخ التكتيكية وحتى الاستراتيجية من فئة أرض – أرض لم تصمم لهذا الغرض، ولن تتمكن حتى من تحقيقه. وهذا هو السبب الذي يجعل من امتلاك أسطول من الطائرات القاذفة البعيدة المدى أو الاستراتيجية أمرا بالغ الأهمية لدولة تصنف على أنها دولة عظمى؛ وهو ما حدا بالولايات المتحدة الأميركية وروسيا إلى الاحتفاظ بأساطيل من القاذفات الاستراتيجية ولعل الولايات المتحدة وحدها التي أوضحت مدى أهمية تلك القوة في المساهمة في حسم الحروب.
ومن هذا المنطلق صممت القاذفة B-1B في البداية كبديل للـ B-52 لكنها لم تتمكن من تحقيق ذلك والسبب يرجع إلى أنها صممت لأداء مهام قصف على ارتفاعات شاهقة وهو ما لن يغير أي شيء في قدرات سلاح الجو ولن يكسبه أي تقدم يذكر وصادف أن رئاسة الرئيس كارتر حينها في السبعينيات كانت تركز على تطوير تكنولوجيا الخفاء بسرية تامة وهو ما دفعها إلى إلغاء مشروع القاذفة B-1A لكن بعد مجيء الرئيس ريغان إلى الرئاسة خلفا لكارتر قام بتمويل كلا المشروعين (B-1 و القاذفة الخفية السرية) لتصبح بعدها الـ B-1B قاذفة نووية تكتيكية واستراتيجية في الوقت نفسه حيث أنيط بها العمل من على ارتفاعات بالغة الانخفاض من أجل اختراق الدفاعات السوفياتية التي كانت راداراتها تعاني من عدم تمكنها من رصد وتتبع الطائرات المخترقة على علو منخفض.
عند مقارنة القاذفة B-1B بالـ B-52 نجد أن الأولى أصغر حجما ومزودة بمحركات من نوع توربوفان اقتصادية في التشغيل وهي بذلك أكثر كفاءة، كما أن أجنحتها متحركة الزاوية مما يمنحها أفضلية في الحمل و المناورة ناهيك عن قدرتها على اختراق حاجز الصوت.
عند مقارنة القاذفة B-1B بالـ B-52 نجد أن الأولى أصغر حجما ومزودة بمحركات من نوع توربوفان اقتصادية في التشغيل وهي بذلك أكثر كفاءة
يمكن تفوق B-1B برادارها العامل بمبدأ المسح الإلكتروني أو Phased Array الذي عبارة عن هوائي ذو طبق ثابت غير متحرك يقوم بالمسح المستمر، وهي بذلك تعتبر أول طائرة عسكرية تزود بمثل هذا النوع من الرادارات التي لم تكن مجودة في العالم حينها.
زودت B-1B بأجهزة تشويش عالية التطور كما تحمل على متنها أهداف مقطورة للتضليل والتشويش قادرة على حرف الصواريخ المضادة للطائرات من نوع (سام) بعيدا عنها وقد اختبرت فعليا خلال الحرب على صربيا عام 1999 ولم تتمكن القوات الصربية من التعامل معها وكانت عاجزة تماما.
يمكن للقاذفة B-1B حمل أنواع متعددة من الذخائر التقليدية حيث ألغيت منها خاصية حمل الأسلحة النووية فتحولت القاذفة إلى منصة مرنة لحمل أنواع متعددة من القنابل والصواريخ أسوة بالقاذفة العتيدة B-52 الأمر الذي عزز من قدراتها الاستثنائية.
أثناء مشاركتها في غزو العراق عام 2003، أوكل إلى قاذفات B-1B الأمريكية مهمة ضرب ستة محطات مخصصة للتويش على أنظمة توجيه الأسلحة بواسطة الأقمار الصناعية هناك، فتمكنت تلك القاذفات من اختراق الدفاعات العراقية بجرأة غير معهودة حيث كان طاقمها يحلق مستخدما نظارات تعمل بالأشعة تحت الحمراء للرؤية الليلية، وباستخدام قنابل JDAM التي يفترض أنها توجه بواسطة الأقمار الصناعية، لكنها وجهت هذه المرة بواسطة الملاحة بالقصور الذاتي، فيكفي أن يقوم طاقم الـ B-1B بعملية التوجيه التقديري لتقوم تلك القنابل الذكية بالباقي وهو ما نتج عنه تدمير وإعطاب تلك المحطات الامر الذي عجل بسقوط بغداد بعد ذلك.
يتبع..
قم بكتابة اول تعليق