من الشيشان إلى أوكرانيا.. لماذا يخسر الروس معركتهم الأولى دائمًا؟

من الشيشان إلى أوكرانيا.. لماذا يخسر الروس معركتهم الأولى دائمًا؟

أحمد صابر عباس – باحث في الأمن الدولي بجامعة بكين والمتخصص في استخبارات المصادر المفتوحة

ضجت العديد من وسائل التواصل الاجتماعي بغضب الصحفيين العسكريين الروس من وضع قوائم وفرض قيود عليهم من قبل الكرملين، لكن هذا يذكرنا بنفس ما فعلته روسيا أثناء حرب الشيشان الثانية، حيث منعت روسيا الصحفيين العسكريين من الدخول لساحة المعركة وأنشأوا جهازًا عسكريًا خاصًا لإدارتها وذلك لتحقيق الأهداف العسكرية دون الوقوع في أخطاء إعلامية.

لماذا يفرض الكرملين قيودًا جديدة على الصحفيين العسكريين؟

قد ينبئ تكرار هذا الحدث الآن في أوكرانيا بعدم رضا الكرملين على الوضع المعلوماتي للروس في ساحة المعركة، فإما أن الروس قد يلجأون لاستخدام وسائل حرب غير شرعية لتحقيق الأهداف، الأمر الذي يجعل وجود التغطية الصحفية غير مرغوب فيها، وإما أن قادة الكرملين غير راضين عن انتقاد بعض الصحفيين لقادة بعض المناطق العسكرية، وهذا ما ذهب إليه الصحفيون الغاضبون بأن القادة العسكريين يريدون تعظيم أنفسهم دون كشف الأخطاء التكتيكية والعملياتية في ساحة القتال. زادت انتقادات الصحفيين الروس في الأسابيع الماضية بفعل انسحاب القوات الروسية من بعض المناطق في جنوب وشرق أوكرانيا وترك العديد من الأسلحة الثقيلة خلفها، ما جعلهم ينتقدون تمركز القوات الروسية وطريقة تعاملهم مع الهجوم الأوكراني.

من الملاحظات التي يمكن التقاطها عبر دراسة الاستخبارات العسكرية، أن بدايات الروس في حروبها عادةً ما ترتبط بفقدان القدرة على إحكام السيطرة، واستقبالها عدة مفاجئات استخباراتية من قبل القوات المعادية. ففي حرب الشيشان الأولى، كانت الاستراتيجية الروسية لحرب المعلومات ضعيفة، بما تشمله من الناحية التقنية، الإعلامية والنفسية.

استخدم الشيشان الخنادق واستعدو جيدًا للروس، وقعت الجنود الروسية فريسة للإحباط في ساحة المعركة بسبب انتشار الشائعات المقصودة لأهداف تكتيكية، وسجل الشيشان جرائم حرب روسية استطاعوا عبرها كسب المجتمع الدولي.

وفي حرب الشيشان الثانية، تعلم الروس الدرس جيدًا، وبدأوا في استغلال الثغرات في صفوف القوات الشيشانية، وكذلك حسنوا من قدراتهم على استخدام القمر الصناعي الروسي، والاتصالات اللاسلكية، بالإضافة لتطوير حملة دعائية لكسب الشعب الشيشاني والظهور كقوة صديقة جاءت لتخليصهم من الإرهاب.

تشابه السيناريو واختلاف القدرات

تلك المرة في أوكرانيا، استطاعت أوكرانيا من الناحية التقنية أن تصدم الروس بكثرة الدرون العسكرية التي تعيق عمليات السيطرة الجوية للروس. تلك الدرون الانتحارية وغيرها من الدرون التجارية التي تهدف لتنفيذ عمليات استطلاع وضربات جوية، استطاعت تحدي أسطورة المقاتلات الشبحية، وغيرت من النظرة المستقبلية لسلاح الجو.

ومن الناحية المعلوماتية فإن التفوق الاستخباراتي لأوكرانيا يبدو واضحًا في ساحة المعركة، كما استطاعت أوكرانيا إثبات جرائم حرب روسية في عدة مدن مثل بوتشا، ولذلك فإن الوضع يشبه كثيرًا التراجع الروسي في حرب الشيشان الأولى.

كيف تتحسن العمليات التكتيكية للروس؟

إن لجوء الروس للدرون الإيرانية كمحاولة لإدراك ما فقدته في ساحة المعركة، بدأ في جني بعض الثمار، حيث استطاعت روسيا في الليلتين الماضيتين توجيه الدرون الانتحارية إلى مواقع أوكرانيه، كما بدأ الوضع الاستخباراتي الروسي يتحسن قليلًا، يظهر ذلك في الهجوم الذي شنته قوات PMC Wagner الروسية في الساعات القليلة الماضية على حزام إحدى الغابات بمنطقة زايتسيفو، حيث استطاعت القوات الروسية الدخول إلى الخنادق الأوكرانية وذلك بعد القيام بمهام استطلاع جوية لتجديد مواقعهم رغم صعوبة المهمة من ناحية التضاريس، حيث كان المعقل يقع على ارتفاع مهيمن كما أن الغابات الكثيفة تعيق عمليات الاستطلاع. ولا ننسى أن مشكلة القمر الصناعي starlink جاءت نتيجة تدمير مكرر الموجات، وقد أدى منذ ساعات لضرب إحدى القوات الأوكرانية لموقعها الخاص في توريتسك نتيجة لفقد الاتصال بين الوحدات العسكرية وبعضها البعض، كل هذا يحسب لصالح الروس وربما ينبئ بتحسين الروس للعمليات المعلوماتية والاستخباراتية بمرور الوقت.

ربما تشهد الأيام المقبلة مزيد من التطور الروسي أيضًا في ساحة القتال، حيث تدرك القوات الروسية رغبة أوكرانيا في كسب أكبر مساحة ممكنة من الأراضي قبل الشتاء القادم. لا تزال المهمة في غاية الصعوبة لتستطيع روسيا العودة للتقدم كما عادت في حرب الشيشان الثانية، المقارنة لن تكون عادلة تمامًا، ولا زالت الساحة الأوكرانية هي الأصعب، كما أن تدفق الأسلحة من أوروبا مع الدعم الاستخباراتي لأوكرانيا واستخدام التضاريس واستخبارات المصادر المفتوحة، كل هذا يعطي الأفضلية للأوكران، ولا زال الأوكران بالفعل يكملون خططهم الهجومية في بيلغرود منذ ساعات، حيث قاموا بقصف المحطة المحلية لتوليد الطاقة وفقًا لما أكده فياتشيسلاف جلادكوف، حاكم المنطقة، بالإضافة لتدمير معدات روسية.

 وأخيرًا يبدو أنه لا يزال أمامنا أشهر عديدة إن لم تكن سنوات من الخداع الاستخباراتي الذي سيتوج واحدًا من البلدين في نهاية المطاف بالفوز في ساحة المعركة، وفقًا لتطوير استراتيجيتها في حرب المعلومات في المقام الأول، لتشتمل أساليب جديدة من أساليب الخداع لتنفيذ الضربات التكتيكية وتحقيق تفوق استراتيجي.