علي الهاشم – باحث ومختص كويتي في مجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية
باتت المسيّرات الجوية القتاليّة والانتحاريّة تشكل خطراً مريعاّ ومُربكاً للقوات المسلحة في العالم. فقد بينت الحرب الدائرة ما بين أوكرانيا وروسيا فجاعة ما يمكن أن تخلّفه تلك الطائرات الطنّانة، أو ما يُعرف باسم “درون” drone، نسبة لإصدارها أزيزاً وطنيناً يشبه ما تصدره بعض الحشرات الطائرة وتحديداً النّحل. وتاريخيّاً، إذا ما عدنا بالزّمن إلى الوراء، سنجد أنّ بداية تلك المركبات قد تمثّلت بما قامت به ألمانيا إبّان الحكم النازي لهتلر، حينما قصفت القوات الألمانية بإحدى أسلحة الانتقام، كما كان يُطلق عليها، وهي القنبلة الطائرة الطنانة “في – 1” V-1. حيث كان يتم إطلاق أعداد منها على بريطانيا وتحديداً العاصمة لندن، ورغم عدم دقّتها ومحدودية قدرتها التدميريّة إلاّ أنّها شكّلت كابوساً حقيقيّاً للقوّات الملكية البريطانية.
تُرجم ذلك بعد انتهاء الحرب الباردة إلى الصّواريخ الجوّالة، إلاَّ أنها كانت مكلفة وغالية الثمن. والفضل يعود إلى ذلك اليهودي العراقي الأصل “إبراهيم كريم” أو “أبراهيم كارم”، بحسب النّطق، والذي هاجر إلى الكيان الصهيوني (إسرائيل) حينما قام بتصميم طائرة من دون طيار من أجل أغراض الاستطلاع الميداني. ومنذ تلك اللّحظة، في بداية السبعينيات، بدأت مرحلة الإعداد للمركبات القتالية من دون طيار، حيث نجح تصميمُه في لفت أنظار المعنيّين بالصناعات الجوية العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية. كما قام باختبار مركبته هناك لتكون أساساً فيما بعد للمركبة الجوية “بريديتور” المُصَنّفة كأوّل طائرة مسيّرة من دون طيار قادرة على تنفيذ عمليات قتالية محدودة.
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تطوّر مع دخول الألفية الثانية لينال اهتماماً أكبر، واتّجهت له العديد من الأوساط الصناعية العسكرية. ومن ثَمَّ، تمّ وضع ما بات يُعرف بمفهوم “الأسراب الانتحارية للمركبات الجوية غير المأهولة”. وهنا، برز لاعبون جدد خصوصاً وأنّ أي دولة تمتلك قدرة صناعية لبناء طائرات صغيرة يمكنها أن تنتج مركبات قتالية وأخرى انتحارية أشبه بالصواريخ الجوالة كروز بكلفة متدنية جداً.
إنّ خيرَ مثال على ذلك هو الصّناعات الجوية التابعة لحرس الثورة في إيران، حيث بات لاعباً أساسياً في هذا المضمار الحيوي الهام. وأصبحت صناعة المسيّرات صناعة مربحة. وهو ما شهدناه من قدرات في الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا حينما قامت إيران بتزويد روسيا بمركبات “شاهد – 136” الانتحارية لتقلب الأمور رأساً على عقب ضد الأوكرانيين الذين كانوا في حالة ذهول. فقد أربكت تلك المركبات أنظمة الدفاعات الجوية التابعة لها، وجعلتها شبه عاجزة لفترةٍ من الزّمن، حتّى قامت بعد ذلك بمحاولة إيجاد حلّ للتصدي لها، وإن كان غير مجدٍ بالشكل المطلوب.
ومن هنا دُقّ ناقوس الخطر بالنسبة لعدّة دول تراقب الأحداث، وبات الوضع يُنذِرُ بالخطر. فماذا لو أنّ أسراباً من مركبات انتحارية مثل “شهيد- 136” أُطلقت ضد دولة معينة على حين غرّة، وكان بعضها يحمل شحنات من أسلحة بيولوجية؟ خصوصاً وأن عملية كشفها في أحسن الظروف لن تتعدى الـ 40 % وربما أقلّ من ذلك بكثير حسب التقديرات.
إنّ التصدي لهذه المسيرات يتطلب أنظمة مبتكرة مثل أنظمة التّشويش وتلك التي تعمل بموجات “الميكرويف” وبشعاع اللّيزر.
لكنّ هذه الأسلحة لا تزال في طور التطوير والتحديث، ولا يمكن نشرها بسهولة، كما أنها مكلفة في بادئ الأمر. وتؤثّر الظروف المناخية، خصوصاً بالنّسبة لأسلحة اللّيزر، في دقتها. كما أنّ تدعيم المركبات الانتحارية بمواد عازلة لموجات “الميكروف” يمكنه التغلب على تلك الموجات فلا تسمح لها بالتأثير عليها.
ما الحل إذاً؟
يكمن الحلّ في معاكسة الأسراب الانتحارية بأخرى بالغة الصّغر وذات شحنات تفجيرية عالية يمكنها التصدي لها وتفجيرها وإحباط الهجمات التي تشنها. يكمن السبب في سهولة تصنيعها وفي كلفتها المتدنية مقارنةً بالأسلحة سالفة الذّكر، كما أنّها لا تستنزف مستخدمها وتضمن له حماية فعالة.