عن دول البلطيق ومبررات خشيتها من تمدد الحرب الأوكرانية

العميد ناجي ملاعب
عضو الهيئة العلمية لمجلة الدراسات الأمنية
باحث في القضايا الأمنية والإستراتيجية

ألقت الحرب الأوكرانية بظلالها الإقتصادية والجيوسياسية في كل مكان، لا سيما تحولها الى حشد قوى الحلف الأطلسي لدعم أوكرانيا في مقابل إصرار روسي على تحقيق أهداف “العملية العسكرية”. ولكن الأقرب عسكرياً، والأكثر قلقا من تطورات تلك الحرب تبقى منطقة البلطيق، بكافة مكوناتها. فهل ستشكل البلطيق مسرحاً جديداً للعمليات العسكرية.

ما يقودنا الى طرح هكذا فرضية هو العامل الهام الذي طرأ على الوضع المتفجر على حدود أكرانيا، بعد مضي عام من دون حسم أو تسجيل انتصار أحد الفريقين؛ إنها بولندا التي يصفها المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف[1] أنها “إمبراطورية فاشلة أوقفت روسيا صعودها. فقد احتلت بولندا أوكرانيا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فيما يحلم البولنديون بدولة “من البحر إلى البحر” (من بحر البلطيق إلى البحر الأسود)، وأعادت الحرب الحالية بين الغرب وروسيا إحياء الطموحات الإمبراطورية للبولنديين. وقد بدأ السياسيون البولنديون بالفعل يتحدثون عن فرصة “للتخلص من روسيا مرة وللأبد”، فيما تجري مناقشات حول التوحيد، أو واقعيا استحواذ بولندا على أوكرانيا. وقد منح زيلينسكي بالفعل امتيازات لبولندا وساوى تقريبا بين المواطنين البولنديين والأوكرانيين. وفي 5 مايو/ أيار 2022، أعلن الرئيس البولندي أنه “لن تكون هناك حدود بين بلدينا”.

ويتوقع الكاتب الروسي أن “ما يزيد من ثقة بولندا وجاذبية مثل هذه المغامرة بالنسبة لها: منطقة كالينينغراد، الأرض الروسية المعزولة عن روسيا بأراضي بولندا ودول البلطيق. وفي حالة نشوب حرب مباشرة بين بولندا وروسيا، ستضطر الأخيرة لاقتحام الممر المؤدي إلى كالينينغراد عبر أراضي دول البلطيق، وهو ما يضمن لبولندا ألا تكون في حالة حرب مع روسيا وحدها، على الأقل ستكون هناك 3 دول أخرى، وربما أكثر.”[2]

الدول الثلاثة الأخرى هي دول البلطيق، إنه مصطلح جيوسياسي يُستخدم عادة للإشارة الى دول في أوروبا الشمالية على الساحل الشرقي لبحر البلطيق: إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا، تسمى أيضاً “الدول البَلْطيّة” أو بلدان البلطيق. ولهذه الدول المتجاورة نفس الظروف المناخية والثقافات والتقاليد. وتعتبر دولة إستونيا من أكثر الدول تقدماً فيما بينها، وعاصمتها تالين، وريغا عاصمة لاتفيا، وفيلنيوس عاصمة ليتوانيا. ولا تشكل الدول الثلاث اتحاداً رسمياً، لكنها تتشارك في التعاون الحكومي الدولي والبرلماني فيما بينها، ومن أبرز مجالات التعاون بين الدول الثلاث هي السياسة الخارجية والأمنية والدفاع والطاقة والنقل.

الخشية من عدم تحديد الهدف النهائي للحرب في أوكرانيا، بعد عام من انطلاقها، حدَت بوزير خارجية ليتوانيا غابريليوس لاندسبيرغيس بالتصريح لصحيفة بوليتيكو Politico، في ختام مؤتمر ميونيخ للأمن: “سؤالي الرئيسي هو لماذا لم نناقش أبدا الهدف النهائي من الصراع في أوكرانيا؟، فالنقاشات والأفكار الوحيدة التي تطرح تدور حول المفاوضات وعمليات السلام”. وأوضح لاندسبيرغيس، أن مؤتمر ميونخ الأمني الأخير، عزز من مخاوفه ومخاوف مواطني دول البلطيق، من آليات النقاشات التي دارت فيه، فقد أظهرت التخبط الذي يعاني منه الساسة الغربيون، الذين لم يتقفوا حتى اللحظة على أية أهداف واضحة للأزمة الأوكرانية[3]

التاريخ يلقي بظلاله، اليوم، على تلك الدول الصغيرة، ورغم عدد سكانها القليل، حيث أنها مجتمعة يعيش فيها نحو ستة ملايين نسمة، تتميز بطقسها القاسي، وتعيش على أراضيها أقليات روسية تشكل (24.8%) من سكان إستونيا، (26.9) من لاتفيا، وحوالى (5.8%) من ليتوانيا، ومعظمهم مندمجين إلى حد ما، ولم تبرز مشاكل حتى الآن، لكن هؤلاء يواصلون التمسك بجذورهم الروسية ولغتهم وروابطهم العائلية أو التجارية. أضف الى ذلك ان الدولة الرابعة والتي تعتبر الأقرب الى الدول الثلاثة، وهي فنلندا، قد نالت والسويد عضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي، الذي يدعم بكل قواه الجيش الأوكراني في حربه الضروس ضد التوغل الروسي.

أما من حيث جغرافية دول البلطيق، فهي الدول الواقعـة في المنطقـة الشـمالية مـن أوروبـا، وتقـع الـدول الـثلاثة علـى الشواطئ الشرقية لبحر البلطيق الذي يحدها من الجهـة الغربيـة والجهـة الشـمالية، وتحدها كل من بولندا وجزء مـن روسـيا مـن الجهـة الجنوبيـة الغربيـة، ومـن الشرق تحدها روسيا[4]، إلى جانب دول البلطيق الـثلاثة هنـاك دول مطلـة علـى بحر البلطيق وهي الدنمارك وفنلندا (التي كانت تحسب سـابقاً بأنهـا الدولـة الرابعـة من دول البلطيق إلا انه مع مـرور الوقـت اسـتبعدت عنـهم) وألمانيـا وبولنـدا وروسيا والسويد، ودول واقعـة في حـوض تصـريف البحـر، لكنـها لا تطـل عليه، وهـي روسـيا البيضـاء أو (بيلاروسـيا ) وجمهوريـة التشـيك والنـرويج وسلوفاكيا وأوكرانيا.[5]

ونتيجة للمكانة الجغرافية الاسـتراتيجية المهمة لـدول البلطيق فقد كانت موضع اهتمام الدول الكبرى التي سـعت إلى الاسـتفادة من الخصائص الجغرافية والجيوبوليتيكية في سياسـاتهم وتحقيـق مصـالحهم، وعـبر المراحل التاريخية المختلفة وإلى حد الآن، إذ يجري ربـط روسـيا الاتحادية بالاتحاد الأوروبي عن طريق خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي تحت بحر البلطيق،[6] فيكون تصريف وبيع روسيا الاتحادية لموارد الطاقة، وحصول دول الاتحاد الأوروبي على تلك الموارد، بوسيلة أكثر سلاسة وفائدة ولكل الأطراف .

لقد عملت روسيا الاتحادية على فرض نفوذها في دول البلطيق بشكل مميز مما أقلق الغرب – الذي كان يسعى أيضاً إلى فرض نفوذه فيها-، فقد بذلت روسيا الاتحادية جهوداً كبيرة لتحقيق أهدافها في الوقت الذي تعلن فيه انها تسعى للحفاظ على منطقة البلطيق كمنطقة ذات أهمية متميزة. ولما كانت الدول الغربية قد أسرعت بالتوسع نحو الشرق بضم دول البلطيق إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي زعم الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف بأن: القادة الغربيين، وخلال تحقيق الوحدة الألمانية عام 1990 قد وعدوه شفهياً بأن حلف شمال الأطلسي لن يتوسع إلى أوروبا الشرقية، وذلك ما ينكره ويرفضه الغرب بالقول ان هذه القضية جاءت خلال مفاوضات الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف مع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، ثم جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليؤكد الموضوع نفسه بالقول: “ان غورباتشوف حصل على تأكيد شفهي من الولايات المتحدة بعدم توسع الناتو” إلا انه لم يصر على إعلان كتابي بذلك بمعنى ان التوسع الأطلسي حصل بالفعل وكان يعني إيقاف لروسيا الاتحادية عن التقرب إلى الدول الغربية، وقد أدركت روسيا الاتحادية بأن التعامل الغربي والأوروبي معها كشريك غير مكافئ أو ثانوي غير موثوق[7].

من ناحيته، يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توسع الناتو شرقاً في أوروبا الشرقية، أمراً شديد الحساسية لروسيا، وكان هذا الأمر من ضمن مبررات “العملية العسكرية” الروسية في أوكرانيا، كما أن بوتين عبّر، أكثر من مرة، عن غضبه من انضمام دول البلطيق إلى حلف الناتو، واعتبر ذلك بمثابة خيانة للوعود الغربية، بما في ذلك القانون التأسيسي لحلف الناتو وروسيا لعام 1997  .

وفي مقدمة للتاريخ القريب، ما بعد تفكك الإتحاد السوفييتي، حيث كانت جميع دول البلطيق ضمن جمهوريات الاتحاد، وأصبحت الآن في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، وانتمت الى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ومنطقة اليورو، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين الأعوام (2011 و2015). وتنتشر في الدول الثلاثة بالإضافة الى بولندا، اليوم، قواتٌ أطلسية متعددة الجنسيات منذ العام 2017، وتضمّ (7) آلاف جندي يتوزعون على كل من: إستونيا (800 جندي) ولاتفيا (1200 جندي) وليتوانيا (1200 جندي) وبولندا (4 آلاف جندي)، وتقود تلك القوات بالتناوب، المملكة المتحدة وكندا وألمانيا والولايات المتحدة، وأكد الحلف، مؤخراً، أن تلك القوات “قوية ومستعدّة. وتطالب دول البلطيق منذ بدء الأزمة الأوكرانية، بتحويل قواعد حلف شمالي الأطلسي (الناتو) الموجودة على أراضيها إلى قواعد دائمة[8].

وجاء إعلان فنلندا والسويد عن رغبتهما بالإنضمام الى حلف الناتو ليضع كامل البلطيق في عين العاصفة، سيما وان النار مستعرة في اوكرانيا، وبالتالي سوف تستعد روسيا لتعزيز دفاعاتها في البلطيق ومناطق أقصى الشمال، بما يعني حصار دول البلطيق والسويد وفنلندا نووياً، ويبدو أن أولى التداعيات المحتملة كي تواجه روسيا انضمام السويد وفنلندا، هي نشر خط ردع نووي على الحدود الروسية البرية بحسب ما أشار إليه مسؤولون روس. فقد لوح ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، باتخاذ بلاده مزيداً من الإجراءات في بحر البلطيق، من أجل تعزيز دفاعاتها، وهدد بنشر أسلحة نووية وصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت في كالينينغراد. بحسب ما أفادت وكالة رويترز في 14 نيسان 2022.

خلال الحرب العالمية الثانية، غيّرت السياسات السوفيتية الواقع الديمغرافي لتلك المنطقة، حيث أن موسكو هجرت عشرات الآلاف من الإستونيين إلى أصقاع سيبيريا، بحجة تعاونهم مع النازيين، بينما يقول أهل البلطيق إنها مجرد تهمة للسيطرة على بلادهم، وأسكنت بدلا منهم مواطنين روس.

اليوم، وبحكم تلك السياسات، فإن 27 في المئة من سكان إستونيا هم روس، وأكثر من 35 في المئة من هؤلاء يحملون الجنسية الروسية، وطبعا أكثر من 90 في المئة من سكان نارفا والشرق يتحدثون الروسية.

 تعتمد موسكو طرح مسألة حماية الأقليات الروسية في البلطيق، كما سبق وحدث في مناطق الاتحاد السوفيتي السابق التي شنت فيها روسيا عمليات عسكرية مثل الشيشان منتصف تسعينيات القرن الماضي أو في حالة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وفي جزيرة القرم، وحاليا في الشرق الأوكراني. [9]

وبرزت الغاية الروسية من خلال الحروب الهجينة في دعم صربيا ضد كوسوفو في تصريح الكرملين، مؤخراً أن موسكو “تدعم” ما تقوم به صربيا بهدف وضع حد للتوترات في كوسوفو التي شهدت إطلاق نار وانفجارات، وحيث أقيمت حواجز على الطرق. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف للصحافيين “لدينا علاقات وثيقة جدا كحليفين، علاقات تاريخية وروحية مع صربيا”، موضحا أن موسكو تتابع “بانتباه شديد ما يحصل في كوسوفو وكيفية ضمان حقوق الصرب” في الإقليم الصربي السابق. [10]

مخاوف أن تمتد الحرب الأوكرانية إلى هذه الدول بادٍ بشكل واضح، حتى عند الحديث مع الناس في شوارع تالين العاصمة الإستونية، وبعد محاولات عدة، تعبّر يلينا، من الأقلية الروسية (الإسم الذي أعطته للمقابلة) عن مخاوفها لموقع بي بي سي البريطاني، فتقول: “بسب حرب تُرى أنها صراع أمريكي-روسي، أخشى أن يزداد التمييز ضدنا، وخاصة إذا كنت تدعم بوتين. أنا شخصيا لا أدعم بوتين ولكن أخشى أن يزداد التمييز ضد المواطنين الإستونيين من أصول روسية، أنا قلقة على أولادي وعلى مستقبلهم”[11].

مخاوف الغرب من التمدد الروسي في دول البلطيق

يشعر القادة الغربيون بالقلق من أن نفس الحجج الذي استخدمها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قبل الهجوم على أوكرانيا، يمكن استخدامها لمهاجمة دول البلطيق. حيث وصف أوكرانيا ببلد مزيف نشأ في أوائل القرن العشرين؛ جيش معاد يهدد حدود روسيا، وأنها دولة تضطهد بشكل منهجي الأقليات الناطقة. وأطلقت الدول – إستونيا ولاتفيا وليتوانيا – وخمس دول أخرى في وسط وشرق أوروبا دعوة لتفعيل المادة (4) من المعاهدة التأسيسية للناتو؛ وهي عبارة عن ألية تلجأ إليها الدول الأعضاء لعقد قمة أزمة حين يكون أمنها في خطر.[12]

تعرضت دول البلطيق من الوحدات الروسية المتمركزة في بيلاروسيا لخطر حصارها من الغرب والجنوب والشرق، لتصبح فجوة “سوالكي” البالغ طول ممرها (105) كلم بين ليتوانيا وبولندا “الجسر البري” الوحيد بينها وبين بقية دول الناتو. وتشعر دول البلطيق بالقلق من قدرة روسيا على عزلها عن بقية أوروبا عبر هذه الفجوة “سوالكي” والتي يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر نقاط الناتو ضعفاً، كما أفاد تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، حيث يقع إلى الغرب من هذه المنطقة مقاطعة كالينينغراد الروسية المسلحة بكثافة؛ والتي تعتبر رأس حربة روسيا في خاصرة الناتو.[13]

وترى سارة وايت، كبيرة محللي الأبحاث في (Real Defence Clear) في مقال منشور في 6 مايو 2022 بعنوان ” تحتاج دول البلطيق إلى أسلحة الناتو المتقدمة للتعويض عن مساوئها الجغرافية ” أنه على الرغم من أن التهديد الروسي قد يكون فارغًا، وليس تهديداً من شأنه أن يمنع فنلندا والسويد من الانضمام إلى الناتو، إلا أنه لا يزال بمثابة تذكير بأن دول البلطيق في مرمى الخطاب العدائي بين روسيا والحلف، ناهيك عن الحرب الفعلية؛ وذلك تبعاً لعدة أسباب: السبب الرئيسي لكونهم قد يكونون الهدف التالي للكرملين هو أن كل واحد منهم، ولا سيما إستونيا ولاتفيا، لديه أقلية عرقية روسية. إضافة إلى ذلك تلعب الجغرافيا دوراً مهمًا في زيادة ضعف دول البلطيق، اعتباراً من أنه ليس لإستونيا ولاتفيا وليتوانيا حلفاء على مقربة من منطقة البلطيق. الدول الثلاثة محاصرة بشكل أساسي بين روسيا وبحر البلطيق. وهذا يعني لوجستيا أنه سيكون من الصعب إرسال القوات والإمدادات إلى دول البلطيق في غضون مهلة قصيرة في حالة وقوع هجوم روسي. والأسوأ من ذلك هو حقيقة أن لاتفيا محاصرة من قبل كالينينغراد، الجيب الروسي المدجج بالسلاح والمليء بصواريخ إسكندر إم ذات القدرة النووية.[14]

تعاون دفاعي مع حلف شمال الأطلسي

لم يكن لدى الناتو أي قوات في الجزء الشرقي من الحلف حتى عام 2014، عندما قرر نشر أربع مجموعات قتالية متعددة الجنسيات على أساس التناوب في دول البلطيق وبولندا رداً على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.  تعزز وجود الناتو بشكل أكبر هذا العام (2022) بعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا.  في المجموع، تستضيف دول البلطيق الآن حوالي (7700) جندي أجنبي من الناتو – ما يقرب من ضعف هذا العدد مقارنة بوقت سابق من هذا العام. وفقاً لـ “Independent” في 9 آذار 2022.

لتوانيا:  أكد وزير الدفاع الليتواني “أرفيداس أنوسوسكاس” أن المفاوضات جارية بين ليتوانيا وألمانيا لزيادة القوة العسكرية الأجنبية في الجمهورية. ويعد تعزيز كتيبة  EFP  (تعزيز الوجود الأمامي) في ليتوانيا إشارة مهمة جدًا وجزءًا من سياسة الردع الحقيقية التي يتم تنفيذها. ستكون هناك أيضاً مشاركة دفاعية بلجيكية في النصف الثاني من العام 2022 في ليتوانيا”، وذلك في إطار تعزيز الأطلسي لوجوده العسكري في دول البلطيق. وأكدت وزارة الدفاع في لتوانيا أن البنتاغون سينقل كتيبة مدرعة إضافية إلى البلاد وألمانيا ستنقل إلى ليتوانيا وحدة للدفاعات الجوية، فيما تدقق هولندا جدول تجديد وجودها العسكري في الجمهورية. وسيتواجد في ليتوانيا نحو (4) آلاف جندي من الدول الحلفاء في الحلف[15]”.

أستونيا:  تشارك بلجيكا في مراقبة المجال الجوي لدول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي بطائرات مقاتلة متمركزة في إستونيا وفقا لـ”يورونيوز” في 25 مارس 2022. ويضاعف حلف شمال الأطلسي “الناتو” تواجده العسكري في إستونيا. فبريطانيا اتخذت قرارًا بالفعل بإرسال حوالي (900) جندي إلى إستونيا وأعلنت  فرنساإرسال(300) جندي إضافيين، وأن الدنمارك أيضًا سترسل (250) جندياً آخرين.

لاتفيا: كشفت السلطات الدنماركية عن نشر (800) جندي خلال مايو 2022 في لاتفيا ضمن قوات “الناتو”، انطلقت في لاتفيا، تدريبات “Iron Spear 2021″ بمشاركة عسكريي عدد من دول حلف الناتو، وفقا لـ”روسيا اليوم” في 5 ابريل 2022. واستمرت حتى 9 نيسان في الميدان العسكري بمنطقة “أداجي” (بالقرب من العاصمة ريغا) بمشاركة المجموعات القتالية التابعة للوجود العسكري الموسع للناتو في لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وبولندا، وجنود لواء لاتفي من قوات المشاة الآلية

وتلعب دول البلطيق وبولندا دورها أيضاً، إذ تتجاوز ميزانياتها الدفاعية نسبة (2%) كحد أدنى من الناتج المحلي الإجمالي الذي أقره الناتو، وتم إنفاق هذه الأموال بحكمة، بما في ذلك على الأسلحة الحديثة التي يمكن أن تبطئ على الأقل، وبالتالي تساعد في ردع هجوم روسي عبر بحر البلطيق[16]

خارطة دول البلطيق وتظهر مقاطعة “كالينينغراد” الروسية وفجوة سوالكي التي تعتبر نقطة ضعف الناتو- عربي بوست

المناورات العسكرية وإثبات القوة في بحر البلطيق

في إطـار رؤيـة كـل مـن حلـف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسـيا الاتحاديـة مـن جهـة أخرى للأهمية الجيبوليتيكية التي يمثلها لهـا بحـر البلطيـق يبقـى التنـافس قائمـاً ومرتبطاً بمصالح كل منهما في المنطقة والسـعي نحـو السـيطرة والتوسـع وتحويـل منطقة بحر البلطيق إلى منطقة مصالح متنافسـة ومصـادر تهديـد متبادلـة ونزعـات توسعية جيوسياسية، الأمر الذي يفضي إلى اسـتعراض كـل طـرف لأوجـه قوتـه وإجراء مناورات عسكرية وتقديم تفاهمات سياسـية مـع الحلفـاء للاتفـاق علـىسياسات الدفاع المشتركة.[17]

فقد أجـرى حلـف شمـال الأطلسـي في تشـرين الثاني 2013 مناورات تبدو متواضـعة إذ بلـغ تعـداد قوتهـا 6000 جنـدي

باسم (ستيد فاسـت جـاز)، وفي 20 حزيـران 2014 اختتمـت الولايـات المتحـدة الأمريكيـة وحلـف شمـال الأطلسـي منـاورة (2014 Baltops فأسهمت في وضع سلسلة من التدابير من قبل شـركاء الحلـف لـدعم الحلفـاء في أوروبا الشـرقية ودول البلطيـق وإشـعارهم بالطمأنينـة بـالتزامن مـع الأزمـة الأوكرانية، كمـا جـرت المنـاورات العسـكرية (2014 Strike Saber (تحـت قيادة القـوات المسـلحة الأمريكيـة في أوروبـا في دول البلطيـق مـن 9 إلى 20 حزيران 2014 وشارك فيها جنـود مـن كنـدا والـدنمارك وإسـتونيا وفنلنـدا وليتوانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.[18]

في مقابل ذلك، من الطبيعي أن لا تقف روسيا الاتحاديـة بـدون حـراك سياسـي وعسكري، فقد أجرت قوات أسـطول بحـر البلطيـق وقـوات الإنـزال الجـوي والقوة الجوية الروسية المناورات المشتركة في منطقة كـالينيغراد المطلـة علـى بحـر البلطيق في غرب روسـيا وذلـك في 18 حزيـران 2014 بقيـادة قائـد قـوات المنطقة العسكرية الغربية وشاركت فيهـا 30 سـفينة و 20 طـائرة ومروحيـة من طيران الأسطول والقوات الجوية الروسية وأكثر مـن 70 آليـة مـن معـدات الأسطول وقوات الإنـزال الجـوي، كمـا اسـتعملت فيهـا روسـيا الاتحاديـة روبوتات مقاتلة من نوع (بلاتفورما- ام) وهـي عبـارة عـن آلـة مجـتررة تحمـل قذائف (آر بي جي) ومدفع رشاش كلاشـينكوف لمهاجمـة تشـكيلات العصـابات المسلحة، وضرب الأهداف الثابتة والمتحركـة، واسـتطلاع ميـدان المعركـة، وشق الطريق للقـوات الصـديقة في حقـول الألغـام، كمـا اسـتعملت طـائرة (غروشا) التي تحدد الأهداف المطلوب تدميرها وتوجيـه مدفعيتـها نحوهـا والتأكـد من تدميرها[19]

وقابـل ذلـك إجـراء منـاورات عسـكرية أخـرى لحلف الناتو في أيـار 2015 وهـي مناورات (سـيل/ سـتيد فاسـت جـافيلين) في إسـتونيا بمشـاركة أكثـر مـن 7000 فــرد مــن قــوات الاحتيــاط، وكــان إجمــالي القــوات المشــاركة 13000 مع 600 جندي من حلـف شمـال الأطلسـي[20]، أي ان الطـرفين يستعرضان قوتهما مـن خـلال إجـراء المنـاورات لإثبـات وتعزيـز مكانتهما ونفوذهما في المنطقة.

ومع ذلك التأهب والاستعداد الدفاعي مـن قبـل حلـف شمـال الأطلسـي ودول البلطيق، تواصل روسـيا الاتحاديـة سياسـتها في منطقـة البلطيـق، فقـد أجرت مناورات صاروخية بذخيرة حية في بحـر البلطيـق يـوم 4 نيسـان 2018 مما أثار قلق لاتفيا التي أغلقت نتيجة لـذلك مجالهـا الجـوي التجـاري فـوق بحـر البلطيق جزئياً، وتعلن روسيا الاتحادية ان أسطولها يجهـز لمنـاورات دوريـة في بحـر البلطيق لتشمل تدريبات بالذخيرة الحيـة علـى إصـابة أهـداف بريـة وبحريـة، وبالطبع ان هكذا تحركات تثير قلق الغـرب بسـبب حجمهـا ونطاقهـا، ويـرى حلف شمال الأطلسـي ان تلـك التحركـات تشـير إلى نقـص في الشـفافية[21].

إضافة إلى ذلك، فقد أعلن وزير االخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 7 مارس 2022 عن إعادة تمركز القوات الأمريكية بالفعل في أوروبا لتقوية الجناح الشرقي لحلف الناتو، فيما تشمل التمديدَ للكتيبة المدرعة التابعة للجيش الأمريكي البالغ عددها (366)، والتي تمّ نشرها في ليتوانيا، ونشر “مقاتلات F35-” في المنطقة لمساندة مهمة الشرطة الجوية المعزّزة لحلف الناتو. وسيصل (400) فرد إضافي من فريق اللواء المدرع الأول القتالي لاحقاً.

تردد أميركي من الإلتزام بالوجود الثابت على أعتاب روسيا

قبل يومين من شنّ روسيا هجومها المتوقع على أوكرانيا، صرح الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه سيجري نقل بعض القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا، بما في ذلك (800) جندي مشاة ومقاتلات “أف-35” وطائرات “أباتشي” المروحية، إلى دول البلطيق الثلاث، واصفاً الخطوة بأنها دفاعية محض[22].

وتسعى الدول الثلاثة لزيادة الإنفاق الدفاعي فيما بينها، وتطالب واشنطن بوجود دائم للقوات الأمريكية، وتعزيزات أكبر الناتو في المنطقة. وتتمتع دول البلطيق بالفعل بالحماية بموجب التزام الناتو بالدفاع عن أعضائه في حالة وقوع هجوم. كما أن حلف شمال الأطلسي يتمتع أيضاً بتفوق ساحق في القوة الجوية من شأنه أن يكون عاملاً في أي معركة مع روسيا في دول البلطيق. ويعمل الناتو بالفعل على زيادة أعداد قواته تدريجياً في أوروبا الشرقية رغم الغضب الروسي، لكنه لا يزال بعيداً عن مضاهاة قوة روسيا في مناطقها الغربية.

وتشكل القوات الأمريكية حالياً جزءاً من مجموعات القتال الدوارة في منطقة البلطيق التابعة لحلف شمال الأطلسي، والتي تقودها ألمانيا وبريطانيا وكندا. وخلال جولة في دول البلطيق في آذار 2022، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إن “المزيد من عمليات الانتشار الدائمة” يتم النظر فيها كجزء من مراجعة أكبر للوضع الدفاعي لحلف الناتو. ولم يقدم تفاصيل، لكن الولايات المتحدة كانت مترددة في تمركز قوات بشكل دائم على أعتاب روسيا، خشية أن يؤدي ذلك إلى زيادة اضطراب العلاقات مع موسكو.[23]

مساهمة في الدعم العسكري من دول البلطيق الى اوكرانيا

بالرغم من الحاجة المضطردة لدول البلطيق للبقاء على جهوزية عالية المستوى درءاً للمخاطر التي يمثلها التهديد الروسي، فإن دول البلطيق وكذلك بولندا، الأعضاء في “الناتو” – وكانت بين البلدان الأشدّ تأييداً لفرض عقوبات قاسية ضد موسكو ولإرسال حلف شمال الأطلسي تعزيزات عسكرية إلى الدول شرق الحلف – فقد أرسلت دول البلطيق السلاح والمساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا، وعرضت إستونيا، التي حافظت على علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع أوكرانيا، مساعدة كييف على تعزيز أمنها السيبراني، وتوقفت دول البلطيق عن استيراد الغاز الطبيعي من روسيا. وأعلنت كل من بولندا ودول البلطيق الثلاثة، في 24 شباط 2022- تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية – تفعيل المادة رقم (4) و (5) من اتفاق حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والتي بموجبها من الاتفاقية ستتشاور الأطراف معاً، بطلب دولة من الدول الأعضاء، حول سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي، وقام قادة حكومات دول البلطيق برحلات مكوكية إلى العواصم الأوروبية، محذرين من أن الغرب يجب أن يجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع ثمن هجومه على أوكرانيا.

من جانب أخر، أرسلت دول البلطيق مساعدات عسكرية لأوكرانيا، حيث ساهمت لاتفيا بمواد عسكرية تزيد قيمتها عن (200) مليون يورو – بما في ذلك الذخيرة وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات ومنصات الإطلاق والطائرات بدون طيار والطائرات بدون طيار. وقالت ليتوانيا إنها أرسلت مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة “عشرات الملايين” من اليورو. ويشمل ذلك صواريخ ستينغر المضادة للطائرات وقذائف الهاون والبنادق والذخيرة وغيرها من المعدات العسكرية. قدمت إستونيا مساعدات عسكرية بقيمة (227.5) مليون يورو، بما في ذلك صواريخ جافلين المضادة للدبابات ومدافع “هاوتزر عيار 122 ملم” والألغام المضادة للدبابات والمدافع المضادة للدبابات والمسدسات والذخيرة.[24]

في التقييم والإحتمالات

1- بينما ينتظر العالم ليرى كيف سينتهي التهديد الروسي لأوكرانيا، تركز دول البلطيق الثلاث على الوجود الروسي في بيلاروسيا المجاورة وكيف سينعكس ذلك على أمن دول البلطيق. وتواجد حوالي 30 ألف جندي روسي على الأرض في بيلاروسيا خلال شهر نيسان 2022 للمشاركة في مناورة عسكرية أقلق الدول الثلاثة. يبدو انه من المستبعد ان تنفذ روسيا هجوما وشيكا على دول البلطيق في الوقت الحاضر، لكن رغم ذلك فإن دول البلطيق تشعر بالقلق. وتُعتبر منطقة Suwalki  وهي الحدود البولندية الليتوانية الضيقة التي يبلغ طولها 105 كيلومترًا، واحدة من أكثر نقاط الناتو ضعفًا وإلى الغرب يوجد معقل “كالينينغراد” الروسي الذي يمكن اعتباره ترسانه اسلحة؛ إلى شرق بيلاروسيا. يمكن القول ان دول البلطيق الصغيرة محاطة بدول قوية ممكن ان تهدد أمنها القومي. إن إظهار القوة والجاهزية العسكرية من قبل روسيا وبيلاروسيا يعتبر تغييرًا جذريًا لم يحدث منذ عقود وإذا استمر الوضع، يجب أن يكون هناك تغيير جذري في وضع قوة الناتو وقوة دول البلطيق مستقبلا.[25]

2 – على الرغم من أن روسيا الاتحاديـة تنفـي أن يكـون لهـا طموحـات توسعية في أراضي دول البلطيـق وان التحركـات الروسـية ليسـت ذات طـابع هجومي بقدر ما هي بمثابة رد فعل دفاعي على تحركـات حلـف شمـال الأطلسـي على الحدود الغربية لروسيا التي تتصـاعد مـن مخططـات توسـيع حلـف شمال الأطلسي مروراً بالمناورات العسـكرية وتصـعيد الخطـاب السياسـي، إلا ان التحركات الروسية لا تطمئن ولا تقنـع الأطلسـيين في ان روسـيا الاتحاديـة لا تتحرك اتجاه دول البلطيق، لاسيما مع تحركهـا التوسـعي في ضـم شـبه جزيـرة القرم وتطورات الأزمة الأوكرانية؛ إذ تـرى فيهـا دول حلـف شمـال الأطلسـي أي ليس فقط الولايات المتحدة الأمريكيـة بـل بريطانيـا كـذلك إلى جانـب دول البلطيق الثلاث نفسها من خلال طرح الجنرال البريطـاني ريتشـارد شـيرف الـذي تولى منصب القائد العام للقوات الحليفة في أوروبا أثناء ضـم شـبه جزيـرة القـرم، تصوراً أن تقوم روسيا بضم دول البلطيـق علـى غـرار مـا فعلـت في أوكرانيـا ولاسيما تصور تكرار تجربة شـرق أوكرانيـا في لاتفيـا – ويبقـى مجـرد تصـور لاختلاف الظروف والأوضـاع بـين المنطقـتين – ممـا يـثير التـوتر باسـتمرار في العلاقات الروسية – الغربية[26].

3- في تحليل للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات “أن شن هجوم روسي على دول البلطيق من شأنه أن يحول الصراع إلى حرب عالمية ثالثة، ما يدفع  بوتين لاستخدام السلاح النووي تنفيذا لتحذيراته، أو أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية محتملة بين حلف الناتو وموسكو وهو ما لا يريده الطرفان”.

ويضيف التحليل أن “روسيا لم تُظهر نية عدوانية أو قدمت أي نوع من التهديد العسكري الحقيقي تجاه دول البلطيق في السنوات الأخيرة، ولا منذ غزو أوكرانيا.  لذا فمن المستبعد جداً أن تبدأ روسيا غزواً لأي من دول البلطيق في الأشهر المقبلة، ومع وجود نسبة كبيرة من قواتها الآن داخل أوكرانيا، ربما تفتقر روسيا إلى الموارد اللازمة لارتكاب قوة على نطاق الغزو إلى دول البلطيق، على الأقل في أي وقت قريب.

ولكن قرب الضربات الجوية الروسية والنيران المضادة للطائرات من حدود أوكرانيا مع المجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا (جميعها أعضاء في الناتو) يعني وجود فرصة معقولة لوقوع حادث عسكري في البلدان المتاخمة لأوكرانيا وإن كان احتماليته منخفضاً. حتى لو حدث، من المتوقع أن يحاول حلف الناتو وروسيا على الأرجح منع التوترات من التصعيد إلى صراع أوسع. لكن من المحتمل أن ينشر الناتو المزيد من القوات على جناحه الشرقي وأن تتبنى الدول الأعضاء في المنطقة بعض إجراءات الطوارئ.

4- أحد السيناريوهات الخارجية التي أثارها العملاء معنا – والكلام للمركز الأوروبي – يتعلق بادعاء موسكو انتهاك حقوق المنحدرين من أصل روسي في دول البلطيق لتبرير التدخل العسكري. هذا ما فعلته قبل غزو أوكرانيا في شباط 2022، وكذلك في شبه جزيرة القرم في عام 2014. سيما ان المتحدثون بالروسية يمثلون حوالي (34%) من السكان في لاتفيا، و (30%) في إستونيا، و (8%) في ليتوانيا. لكن هذا السيناريو غير مرجح للغاية في هذه المرحلة. بسبب تراجع نفوذ روسيا على الأقليات العرقية الروسية في دول البلطيق في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد أن أغلقت السلطات العديد من وسائل الإعلام الناطقة بالروسية بعد عام 2014.[27]

5- من ناحيته، فقد تقريـر نشـره الحلف الأطلسي على موقعه الإلكتروني بـأن الـرئيس الروسـي فلاديمـير بـوتين سيبدأ بالتركيز على منطقة بولندا وليتوانيا وهـي منطقـة ممـر سـوفالكي، الأمـر الذي يجعل حدود أوروبا أمام ذلك الخطر الـذي جعـل وزارة الـدفاع الأمريكيـة تضاعف من موازنتها للدفاع عن أوروبـا عـام 2017 لأربـع مـرات، إذ يـرى قائد القوات الأمريكية في أوروبـا الجنـرال بـن هـودجز ان هـذا الممـر بـين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي ربما يكـون هـدفاً للعـدوان العسـكري الروسي في المستقبل، ومما يزيد الخطر هـو وجـود منطقـة كـالينيغراد الروسـية وروسيا البيضـاء (بيلاروسـيا) فيسـبب ذلـك إشـكالية في الجغرافيـة والبيئـة العسكرية في تلك المنطقة، ولاسيما ان روسيا الاتحاديـة ممكـن أن تسـتغل الترعـة الانفصالية المحلية في سـوفالكي لتضـمها إلى منطقـة كـالينيغراد علـى اعتبـار ان سياسة روسيا الاتحادية الخارجية وتحركاتها العسـكرية دائمـاً مـا يـثير وتسـتغل التوترات العرقية المحلية في هـذه المنـاطق، ففـي حالـة التصـعيد والتحـول إلى استعمال القوة العسكرية، يشير تقرير الحلف الأطلسـي انـه يمكـن للصـواريخ الروسية المنتشرة في كالينيغراد عزل الجزء الشرقي مـن بولنـدا وجـزء كـبير مـن دول البلطيق عـن أي دعـم بحـري أو بـري مـن حلـف شمـال الأطلسـي أو حلفائه[28]

6- تساهم التهديدات الروسية لدول البلطيق في تأجيج الخلافات والانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، مما يثير قلق البعض، الذين يدعون بعد ذلك إلى التوصل إلى اتفاق مع روسيا لتقليل التوترات. ونظرًا لأن الناتو ملتزم بالدفاع عن دول البلطيق، فإنه يزيد من التكاليف الدفاعية التي تتحملها البلدان الأعضاء داخل الناتو التي ترى تهديدًا مباشرًا، والذي من شأنه أن يزيد الخلافات بين أعضاء الناتو. ويكمن التحدي في كيفية معالجة المخاوف الأمنية لدول البلطيق مع تجنب الخطوات التي من شأنها أن تؤدي إلى وضع غير مستقر أكثر مع روسيا في المستقبل. ولكن مع قيام كل من الناتو وروسيا بإلقاء اللوم على الآخر في خلق حالة من عدم الاستقرار في أوروبا الشرقية، فقد تكون هذه مهمة صعبة.

7- اقتصادياً، بصرف النظر عن الاحتمال الضئيل لحدوث تصعيد عسكري يشمل دول البلطيق، فمن المحتمل أن يكون للصراع في أوكرانيا آثار كبيرة على اقتصادات البلطيق على المدى القريب إلى المتوسط. هذا لأن الدول الثلاثة معرضة بشدة من حيث التجارة والاعتماد على الطاقة للآثار غير المباشرة للعقوبات الغربية على روسيا، فضلاً عن أي انتقام اقتصادي روسي ناتج عنها. ولا يستبعد الاقتصاديون والمحللون إمكانية حدوث ركود للنمو الاقتصادي في دول البلطيق هذا العام (2022). ويعتقد صندوق النقد الدولي أن النمو في هذه البلدان الثلاثة سيكون ضئيلاً للغاية: (1.8) في المائة في ليتوانيا، و(1) في المائة في لاتفيا، و(0.2) في المائة فقط في إستونيا، حيث يبدو الآن أن خطر الانكماش احتمال حقيقي.

في الخلاصة

في إطار الهيمنة الغربية الأحادية القطبية علـى النظـام السياسـي الـدولي امتد نفوذ حلف شمـال الأطلسـي والولايـات المتحـدة الأمريكيـة إلى منطقة البلطيق لتكون جزءاً من مجال نفوذهـا وأمـاكن سـيطرتها العالميـة الممتدة، ستبقى منطقة البلطيق واحدة من منـاطق الاتصـال أو الارتبـاط أو الجسـر الذي يربط الشرق بالغرب، الأمـر الـذي يجعلـها منطقـة الامتـداد أو المجال الحيوي في كل من الرؤيـة الشـرقية والرؤيـة الغربيـة الأطلسـية وحسب مبررات وأهداف ومصالح كل منهما.

وفي إطار الرؤى الشرقية والغربية الأطلسـية تمثل منطقـة البلطيـق أهمية استراتيجية وجيوبوليتيكية، وتبقـي التنـافس قائمـاً طالمـا ان روسـيا الاتحادية تريد مد نفوذهـا إليهـا، وفي الوقـت الـذي تتجـه فيـه دول البلطيق نحو الغرب، فسيكون الغرب بمثابـة المـدافع عـن هـذه الـدول لأنه في الوقت نفسه سيحقق مصالحه ومد نفوذه فيها وعـدها جـزءاً مـن العالم الغربي. هذا ما فجّر الصراع حول اوكرانيا وهذا ما ينتظر منطقة البلقان إذا لم يتم وضع السلام العالمي على السكة مجددا، ويبدو أنه لن يكون على الأسس الحالية.


[1] الكسندر نازاروف، موقع روسيا اليوم بتاريخ :19.02.2023 على الرابط

https://arabic.rt.com/press/1436068-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%86%D8%AF%D8%A7-%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7/

[2]  نازاروف، المرجع السابق

[3]  موقع روسيا اليوم الإلكتروني تاريخ 21 – 2 – 2023 على الرابط:

https://arabic.rt.com/world/1436808-%D9%84%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%AE%D8%A8%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%86%D8%A7%D8%AC%D9%85-%D8%B9%D9%86-%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D9%87-%D9%84%D8%A3%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81%D9%87-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7/

[4] محمد جوارنه، دول البلطيق، نوفمبر 2017، على الموقع الالكتروني : https://mawdoo3.com .

[5] إيهاب شوقي، دول البلطيق وتصعيد صراع النفوذ بين معسكري الحرب الباردة، 15 ديسمبر2014 ، شبكة الأخبار العربية،

[6] المرجع السابق

[7] نوار محمد ربيع الخيري: منطقة البلطيق في الرؤية الإستراتيجية الروسية والغربية، مجلة السياسة الدولية، العدد 41 -42 للعام 2019 على الرابط:

https://www.politics-dz.com/%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9/

[8]  المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والإستخبارات

E C C I – European Centre for Counterterrorism and Intelligence Studies – Germany & Netherlands

مايو 15, 2022، على الرابط: ……..https://www.europarabct.com/?p=81963

[9] موقع بي بي سي نيوز عربي، في 7 أبريل/ نيسان على الرابط2022 https://www.bbc.com/arabic/world-61008425

[10] سكاي نيوز عربية على الرابط

 https://www.skynewsarabia.com/world/1584245-%D8%B4%D8%A8%D8%AD-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%B5%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%B3%D9%88%D9%81%D9%88  تاريخ الدخول 29 – 12 – 2022

[11] بي بي سي نيوز، مرجع سبق ذكره

[12]عربي بوست 26 – 2 2022 على الرابط: https://bit.ly/3sdJXCM

[13]  المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والإستخبارات/ مرجع سابق

[14] المرجع السابق

[15]  موقع روسيا اليوم بتاريخ 6 – 3 – 2022 على الرابط https://bit.ly/3OTPb0b

[16]  المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والإستخبارات/ مرجع سابق

[17]  إيهاب شوقي، مرجع سبق ذكره

[18]  المرجع نفسه

[19] المصدر نفسه .

[20]  أوين مايكل ماكنمارا، تأمين دول شمال الأوروبي ومنطقة البلطيق، مجلة الناتو، على الالكتروني الموقع

2016، Review magazine NATO Review : https://www.nato.int.

[21]  “استعراض قوة” روسي في البلطيق يثير قلق ” الناتو”، سكاي نيوز عربية – ابو ظبي، 4 – 4 – 2022

[22]   موقعCNN  في 22 شباط 2022.

[23]  وزارة الخارجية الأمريكية، مكتب المتحّدث الرسمي، في 7 آذار/مارس 2022 على الرابط: https://bit.ly/3sgFgbl

[24]  موقع “فرانس 24” في 22 نيسان 2022. على الرابط: https://bit.ly/392mZrA

[25]  المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، مرجع سابق

[26]  وسام متى، الاطلسي يستنسخ (ثغرة فولدا) في البلطيق، جريدة الاخبار 7 / تموز2017، على الموقع الالكتروني

. https://al-akhbar.com/International:

[27]  المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، مرجع سابق

[28]  ماهر النبواني، ممر سوفالكي هدف بوتين المقبل؟، جريدة الحياة، 17 فبراير 2017، على الموقع الالكتروني. http:/www.alhayat.com

*عضو الهيئة العلمية لمجلة الدراسات الأمنية

باحث في القضايا الأمنية والإستراتيجية