وليد الحلبي
تعتبر الصناعات الدفاعية الفرنسية واحدة من أكبر الصناعات في العالم، وتحمل في طياتها تقنيات حديثة ومتطورة في مجال تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية. من بين هذه المعدات المبتكرة تبرز مقاتلة رافال، التي أبرمت مصر عقدا لشراء 30 طائرة منها، مما يُعَد إشارة واضحة إلى نجاح هذه الطائرة في سوق الصادرات العالمي، بعد سنوات من التحديات والصعوبات في التصدير.
بدأت رحلة رافال في عام 1986، عندما تم تطويرها لتحل محل الطائرات الفرنسية “ميراج 2000” والطائرات البريطانية والإيطالية والألمانية من طراز تورنيدو. خضعت الطائرة لاختبارات دقيقة وتجارب عديدة لضمان جودتها وأدائها المتميز. ورغم استخدامها من قبل البحرية الفرنسية وسلاح الجو منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي، واجهت رافال صعوبات في التصدير لفترة طويلة، حيث بقيت عروض بيعها للإمارات والمغرب والبرازيل مجرد حبراً على ورق.
لكن الأمور بدأت تتغير عندما استخدمت الطائرة في القتال، حيث شاركت في عمليات عسكرية حول العالم، بدءًا من أفغانستان في عام 2007 وصولاً إلى ليبيا في 2011 ومنطقة الساحل في 2013. هذه التجارب العملية أثبتت جدوى وكفاءة الطائرة، مما جعلها محط اهتمام العديد من الدول.
تمثل صفقة مصر لشراء 30 مقاتلة رافال نقطة تحول في مسار هذه الطائرة، حيث إنها لا تعتبر نجاحاً للشركة المُصنِّعة فحسب إنما تمثل أيضا نجاحًا للصناعة الدفاعية الفرنسية بأكملها. عكست هذه الصفقة الثقة في أداء الطائرة وفعاليتها في الميدان، وفتحت الأبواب أمام المزيد من الصفقات المستقبلية وعززت من مكانة فرنسا في سوق الأسلحة الدولي.
والصفقة الأخيرة التي من المتوقع تسليمها بين عامي 2024 و2026 ستزيد عدد مقاتلات “رافال” التي تحمل العلم المصري إلى 54، بعد صفقة مماثلة عام 2015 شملت 24 مقاتلة، مما وضع مصر في المركز الثاني كأكبر أسطول “رافال” في العالم بعد فرنسا.
صادرات رافال.. نجاح فرنسي يعكس الثقة العالمية
بلغت صادرات الأسلحة الفرنسية 11.7 مليار يورو في عام 2021، واستحوذ الطيران على ما يقرب من 70 بالمئة من مداخيل الطلبات، مقابل 30 بالمئة لباقي الأسلحة. تُظهر هذه الأرقام أهمية مبيعات طائرات “رافال” في تحقيق هذا الإنجاز.
تضمنت أرقام تقرير عام 2021 طلب شراء 12 طائرة جديدة و6 طائرات مستعملة من قبل اليونان، و30 طائرة “رافال” إضافية من مصر، و12 طائرة مستعملة من قبل كرواتيا.
وأبرمت فرنسا عام 2021 عقداً ضخماً لبيع 80 طائرة “رافال” للإمارات. ومن المرجح أن تشتري المملكة العربية السعودية ما بين 100 و200 مقاتلة بحسب وكالة “تاس”.
وأشارت مصادر إلى أن السعودية كانت تدرس شراء مقاتلات “رافال” في عام 2006، لكنها اختارت “إف 15” آنذاك، وهي الآن تسعى لتنويع مصادر أسلحتها، مضيفاً أن “سلطات المملكة تعيد النظر تدريجيًا في الموقف من التعامل مع مصدري الأسلحة لتجنب الاعتماد على دولة واحدة.
القدرات المتعددة لمقاتلة “رافال”.. من الهجوم الجوي إلى الرادع النووي
من اللافت للنظر أن طائرة رافال لا تقتصر على وظيفة واحدة، بل تمتلك القدرة على تنفيذ مجموعة واسعة من المهام خلال طلعة واحدة. يمكنها القيام بعمليات الدفاع الجوي والقصف الاستراتيجي ودعم القوات على الأرض وحتى مهاجمة السفن وإجراء عمليات الاستطلاع الجوي، مما يجعلها خيارًا مثاليًا للدول التي تحتاج إلى طائرة متعددة المهام وقادرة على التكيف مع سيناريوهات مختلفة.
من الناحية النووية، تعتبر رافال الرادع النووي الفرنسي المحمول جوًا، مما يعزز من قدرتها على الرد الفوري في حالات الطوارئ النووية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنها الطائرة الوحيدة في فرنسا القادرة على حمل أوزان ثقيلة تصل إلى مرة ونصف وزنها من الأسلحة والوقود، مما يمنحها قدرات استراتيجية استثنائية.
من حيث التسليح، تمتاز رافال بأنها مزودة بنظام متعدد الاستخدامات يشمل مدفعًا من عيار 30 ملم وصواريخ جو-جو وقنابل موجهة بالليزر وصواريخ عابرة. النسخة الأخيرة منها، الـ”إف 3 آر”، تمكنها حتى من حمل صاروخ جو-جو ميتيور بعيد المدى، مما يمنحها ميزة تنافسية إضافية ويفتح الأفق للانضمام إلى ترسانة العديد من الجيوش العسكرية حول العالم.
التعاون والابتكار..: قصة النجاح والمستقبل المشرق لمقاتلة “رافال“
يُشكل التعاون الفعّال بين شركات مثل داسو للطيران وشركة الإلكترونيات تاليس وشركة سافران لإنتاج المحركات الدعم الرئيسي لتطوير وإنتاج رافال.
من المتوقع أن تظل رافال المقاتلة الفرنسية في الصدارة حتى العام 2040، مما يظهر استمرارية الابتكار والتطوير في هذا النظام المتقدم لتلبية احتياجات المستقبل في مجال الدفاع والأمان.