برهنت الظروف الدولية والتوترات العديدة في البحار والمضائق المائية، إضافة إلى مخاطر القرصنة والإرهاب المتنقل والجريمة المنظمة عبر البحار، عن الحاجة إلى مزيد من التفوق والاحتراف والتطوُّر في أنظمة إدارة المعركة وقيادة المهام البحرية، حيث يكون الوقت هو العامل الأكثر أهمية وتأثيراً على نجاح المهمة، حينها يحتاج القائد إلى مجموعة من البيانات الواضحة والمنسقة التي توجِّه قراره نحو الخيارات الأمثل والأفضل، وبالسرعة اللازمة وقبل فوات الأوان، وفي خضم الكم الهائل من البيانات والمعلومات التي ترد عبر أجهزة المراقبة والاستشعار، تلعب أنظمة قيادة المعركة دوراً أساسيًا ومحورياً في اتخاذ القرار في المناورة والاشتباك والتعامل مع الأهداف ومواجهة الظروف الماثلة بأفضل ما يمكن.
في سياق تطوير قدراتها العسكرية، لا سيما البحرية منها، وفي السعي لحيازة أفضل المنظومات العسكرية، خاصة منظومات القيادة والسيطرة التي تعتبر الأهم في المعركة الحديثة، اختارت وزارة الدفاع القطرية نظام إدارة المعركة ADVENT من شركة “هافيلسان” التركية، ليكون النظام العامل في السفينتين التي تم توقيع عقد شرائهما من شركة DEARSAN التركية لبناء السفن. وهاتان السفينتان الحربيتان هما من نوع FAC 50 Fast Attack Craft، وفقاً للمدير الهندسي في شركة “هافيلسان”، المهندس دنيز دومرو.
وفي حديث له خلال معرض “ديمدكس 2024” في الدوحة، اعتبر دومرو أن هذا النظام بمثابة العقل الذكي للسفينة، حيث يستقبل كل المعلومات والبيانات الواردة من أجهزة المراقبة والاستشعار، ويقوم بدمجها وتحليلها وتقديم المعطيات المطلوبة لمساعدة القائد على اتخاذ القرار بسرعة قياسية، مع تصنيف الأهداف الأكثر خطورة وتحديد الأولويات في الفعل وردات الفعل. ووفقاً لدومرو، فإن هذا النظام يتميز عن غيره بمركزية إدارة شبكة واسعة وكبيرة متعددة ومتنوعة الجهات من معدات وقطع عسكرية ومراكز وأجهزة مختلفة، من البحر والبر والجو، حيث يتم دمج المعلومات ضمن حلقة واحدة، بقدرات الذكاء الاصطناعي، لمساعدة القائد على اتخاذ القرار، وتقديم النتائج بطريقة سريعة وواضحة، ما يوفر أفضل دعم لإيجاد الحلول المناسبة لدى القائد.
أضاف دومرو أن البحرية التركية تعتمد حالياً، بمعظم قطعها الكبيرة والصغيرة، على هذا النظام الحديث، وأن هناك العديد من الزبائن الدوليين الذين اعتمدوا أو سيعتمدون هذا النظام، وهم باكستان، وأوكرانيا، ونيجيريا، وأندونيسيا، وأخيراً قطر حيث سيتوافر لها وضع نظام ADVENT على سفينتين للهجوم السريع، ستحوز عليهما في المستقبل من شركة DEARSAN، وبعد أن يرتفع عدد السفن القطرية التي تستعمل هذا النظام، سيكون من الممكن لها الاستفادة أكثر من قدرات هذا النظام كغيرها من القوات البحرية.
يتمتّع نظام ADVENT بقدرات حربية في: الحرب البحرية، الدفاع الجوي، الحرب ضد الغواصات، الحرب غير المتماثلة، الحرب الإلكترونية، التعامل مع الألغام، التعامل مع التهديدات المتنوعة، المراقبة الجوية. كما أنّ لهذا النظام قدرات غير حربية تتناسب بشكلٍ كامل مع المهام المستجدة حاليًا لدى القوات المسلحة على المستوى العالمي، مثل العمليات الإنسانية، البحث والإنقاذ، تمكين السلطة، دعم المعلومات، مشاركة المعلومات، حماية الشبكات، الملاحة، التصنيف والتعريف، التدريب والمحاكاة، ويمكن دمجه مع أي نظام أساسي آخر وبسهولة وبدون تكلفة.
هذا وقد كانت وزارة الدفاع القطرية وقَّعت خلال معرض “ديمدكس 2024” عقداً لشراء سفينتي من طراز FAC 50 Fast Attack Craft، تم تصميم هذه القطعة البحرية لتنفيذ مهام متعددة ومتنوعة بشكلٍ فعال، مثل الحرب غير المتماثلة، ومهام الدوريات وحماية المياه الإقليمية، ومكافحة التهريب والقرصنة والجريمة المنظمة، وعمليات البحث والإنقاذ والإغاثة في حالات الكوارث، ومراقبة الحدود وحماية السواحل والموانئ.
وعلى الرغم من أن النموذج الأصلي يبلغ طوله 50 متراً، إلا أن النموذج القطري سيكون معدَّلاً على الأرجح، وبطول 46 مترًا تقريبًا، وبعرض 9.2 متراً، طاقمه مؤلف من 30 عنصراً، سرعته القصوى 40 عقدة، وهو مسلح بمدفع من عيار 40 ملم، ورشاشين من عيار 12.7 ملم موجهين آلياً، ورشاشين من عيار 12.7 ملم موجهين يدوياً، إضافة إلى منصة ثنائية لصواريخ سطح-سطح، ومنصة أحادية لصواريخ دفاع جوي قصيرة المدى.
وسيتم تسليم الشّحنة الأولى بعد ثلاث سنوات من الآن، أما تسليم الثانية فسيكون بعد أربع سنوات.
تسعى الحكومة القطرية لتعزيز قدراتها البحرية لحماية سواحلها التي يبلغ طولها 563 كلم، وثرواتها البحرية ومخزونات الغاز لديها، وسيكون نظام إدارة المعركة ADVENT من “هافيلسان” خياراً مثالياً لتطوير منظومة القيادة والسيطرة في القوات المسلحة القطرية، وعند أي دولة أخرى تسعى لتطوير قدراتها البحرية، لا سيما في إدارة المعارك وقيادة المهام البحرية وفي العمليات المشتركة، ويعتبر هذا النظام الذي تستخدمه البحرية التركية على نطاق واسع وشامل، من أبرز أنظمة القيادة والسيطرة التي تجمع عدة ميزات، مثل الكفاءة والحداثة، الكلفة المقبولة، وأخيراً والأهم التوافر وعدم وجود أي تقييدات مع الشراكة التركية والتعاون في مجال الأمن والدفاع.
تقرير: العقيد الركن م. ظافر مراد