التكنولوجيا ودورها في الحروب اللامتماثلة

ا.د. غادة محمد عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث – جامعة بنهازميل ومحاضر كلية الدفاع- أكاديمية ناصر العسكرية

لقد ساهمت التكنولوجيا في بناء مميزات الحروب اللامتماثلة من التمرد والإرهاب إلى الاختراق، لذلك فإن فهم وإتقان كيفية التعامل وبسرعة مع ما تقدمه التكنولوجيا المتقدمة للمساهمة في التفوق في الحروب اللامتماثلة (الحروب الحديثة)، أصبح أمر حتمي، حتى نستعد لهذا النوع بامتلاك أدوات الدفاع والردع. فساحات المعارك في المستقبل سوف تتغير كثيرا على ما هي عليه الآن خاصة عند تطبيق الذكاء الاصطناعي على أسلحة الحرب. فقد ذكر في مقال نشر في الجارديان في أبريل من العام 2019م، أن استخدام الروبوتات سيكون واسع الانتشار في الحروب في غضون السنوات القليلة القادمة، وأكد المقال على أنه تم نشر ما لا يقل عن 381 من أنظمة الروبوتات والأجهزة العسكرية المستقلة جزئيا أو قيد التطوير في 12 دولة بما في ذلك الصين وفرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وأيضا جاء في تقرير صادر في نوفمبر 2017م عن معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولية، أن سباق إنتاج الأسلحة الذكية أضحى مركز اهتمام رئيسي لجميع شركات إنتاج الأسلحة. ولعل هذا هو السبب وراء زيادة ميزانية وكالة مشاريع البحوث المتقدمة الأمريكية (داربا) المعنية بتطوير أجيال جديدة من الأسلحة والتي قفزت ميزانيتها بمقدار 27% في عام 2018.

ونتيجة لذلك سيكون هناك مجموعة من التقنيات التي يجب أن تحاول الدولة امتلاكها حتى تتمكن من مواجهة هذا النوع من الحروب. إن الحروب اللامتماثلة كما عرفتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي “استخدام الاستراتيجيات والتكتيكات والتكنولوجيات المبتكرة من قبل خصم – دولة أو جهات فاعلة من غير الدول- بهدف تجنب نقاط القوة واستغلال نقاط الضعف المحتملة في الدولة المستهدفة”.

ومن أمثلة تلك التكنولوجيات: تكنولوجيا أنترنت أشياء المعركة، وصحيح أن مفهوم أنترنت الأشياء أضحى دارجا في عالم التطبيقات الحياتية للتكنولوجيا المتكاملة، ولكن الجديد الآن هو أنه أدخل في أدوات الحروب اللامتماثلة. وتكنولوجيا الروبوتات المقاتلة، حيث يرى الكثير من المختصين أن الثورة الثالثة في أسلحة الحرب بعد البارود والقنابل النووية هي الروبوتات المقاتلة (بكل أشكالها الزاحفة والسابحة والطائرة). والدليل على ذلك إحياء بعض التطورات الأخيرة في الأسلحة شبه الأوتوماتيكية (مثل الطائرات بدون طيار من طراز MQ-9)، وتكنولوجيا أسراب الطائرات بدون طيار، حيث بدأت وزارة الدفاع الأمريكية عام 2017 بعرض لمناورة عسكرية لسرب 103 طائرة بدون طيار مكروئية  (أسلحة طائرة متناهية الصغر بدون طيار) في كاليفورنيا، حيث تتعاون فيما بينها في صنع القرار والتكيف في تشكيل الطيران والتعديل الذاتي لتموضعها.

ويقول خبير شركة جلوبال داتا: “إن أنواع الدفاعات المضادة للصواريخ والقذائف الموجودة حاليا ليست مصممة لتتبع أشياء بهذا الحجم وبهذه الكثرة”. هذا إلى جانب تطوير القوارب ذاتية القيادة في البحر، فالان تقوم وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية الأمريكية المتقدمة (داربا) بتجريب سفينة غير مأهولة تتعقب الغواصات وتسمى ” مقاتلة البحر” والتي يمكنها السفر آلاف الأميال دون أي شخص على متنها. وأيضا تكنولوجيا الواقع المعزز (Augmented Reality) فمن الشائع الآن استخدام تطبيقات الاستحواذ على ساحة المعركة، حيث إن الواقع المعزز والواقع الافتراضي هما مجالان آخران للتكنولوجيا الاستهلاكية تسخرهما القوات المسلحة، ومنذ فترة طويلة تم نشر سماعات الرأس AR في خوذات مقاتلات F16.

وهناك تكنولوجيا الأسلحة المجتمعية Social Weapons ومنها التكنولوجيا التي يمكن أن تؤدي إلى التشويش اللاسلكي وقرصنة الكمبيوتر وتعطيل الإرسال واختطاف الطائرات بدون طيار وحتى تحويل الأسلحة ضد مشغليها.  مثال ذلك: البرمجيات الخبيثة، مثل الفدية الخبيثة “رانسوموير” الذي أصاب المؤسسات والأجهزة الحكومية والخاصة في كثير من دول العالم (حوالي 100 دولة)  في عام 2017م، حيث استهدف القراصنة غلق الأنظمة التكنولوجية في الحكومات والمؤسسات المختلفة بحيث لن يتمكن أصحابها من فتحها واستخدامها إلا بعد دفع مبلغ من المال.

مثل هذه التهديدات تكون سببا للتأثير سالبا وبقوة على الاقتصاد وتسبب الفوضى وتصيب الدولة بالشلل وإذا استمر ممكن أن تسقط الدولة. ومن الأسلحة المجتمعية أيضا وسائل الإعلام الاجتماعي التي استخدمت في تعبئة الاحتجاجات الشعبية، وكذلك استُخدمت أيضاً كسلاح لعمل ارباك داخل الدولة المستهدفة، كما حدث في الثورات التي حدثت في المنطقة في عام 2011م.

وأيضا كما فعلت القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا والتي قيل إنها استخدمت تويتر وفيسبوك لنشر معلومات كاذبة حول الأحداث على الأرض، وكما اتهمت روسيا باستخدام البرمجيات الخبيثة لاختراق تطبيق الأندرويد الذي تستخدمه القوات الأوكرانية لتحسين دقة مدفعيتها من أجل تحديد الموقع الجغرافي للوحدات. وتكنولوجيا العمليات النفسية والتحكم الآلي للأجهزة المتصلة بالنت، مثل عملية “botnet” والتي هي عبارة عن عدد من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، كل منها يشغّل واحدًا أو أكثر من برامج الروبوت، لنشر الأخبار المزورة للتأثير على الرأي العام في المجتمع المستهدف خاصة على منصات وسائل الاتصال الاجتماعي، وذلك عن طريق تنفيذ هجوم رفض الخدمة الموزع (هجوم DDoS) ، وسرقة البيانات، وإرسال رسائل غير مرغوب فيها، ويسمح للمهاجم بالوصول إلى الجهاز المستهدف والتحكم به وحتى استخدامه كآلة تسجيل.

وقد اشتهرت “البوت نت” الروسية في العالم السيبراني والتي تسمى ب “مزعة رأي عام”، حيث يحاولون الترويج للرأي العام بطريقة تكون مفيدة لبلادهم. لكن هذا الفعل ليس مقصورا على روسيا فلدى كل من أمريكا وإسرائيل والصين وبريطانيا (وهذا ليس على سبيل الحصر) أيضا أنظمتهم التي تقوم بنفس الوظيفة مع اختلاف الأسماء. ولعل أضخم ما نشر عن التحكم الآلي للأجهزة المتصلة على النت جاء في تقارير بثتها وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية عن فضيحة شركة “كامبردج أناليتيكا” البريطانية. وفي ورقة علمية صدرت عن اجتماع 30 شخصية علمية مختصة في هذا المجال تم استعراض ما توصلت له المختبرات من تطبيقات حيوية للذكاء الصناعي والتحكم الآلي، حتى حذر الكثير منهم إلى ما انجرفت له المختبرات الدولية ومنها وحدة “داربا” التابعة للجيش الأمريكي من محاولات لزرع شرائح تحكم في دماع الإنسان نفسه، جاء ذلك في مجلة “نيتشر” التي لها مكانه علمية وعالميه وموثوقية عالية في عددها رقم 7679 الصادر يوم ٨8 نوفمبر 2017م وهذا ما أعلن عن تنفيذه إيلون ماسك في 2020م بالفعل!!! 

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*