سلاح الجو الإسرائيلي والتعويض “بالـ F-15”

علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية

لا تضيع إسرائيل أي فرصة ذهبية سانحة قد تعثر عليها. وهذا ما تقوم به الآن عبر سلاحها الجوي من استغلال الفرصة في الحصول على مقاتلات F-15 النماذج C/D المتطورة والتي قرر سلاح الجو الأمريكي التخلص منها في مقابل استبدالها بالنموذج الأحدث F-15EX الأكثر حداثة وتطورا. وبدلا من شراء هذا النموذج المكلف من قبل إسرائيل، ارتأى قادة سلاحها الجوي الحصول عوضا عن ذلك على النماذج الأقدم في الترسانة الأمريكية لأنها ببساطة ستوفر لها مبالغ طائلة إلى جانب أعداد أكثر والأهم، هو تطويرها بالمعدات المحلية الإسرائيلية التي لا تقل عن نظيرتها الأمريكية حداثة وتطورا، وهو ما سيرفع من أعداد الطائرات المقاتلة المتفوقة لدى الترسانة الإسرائيلية كما ونوعا وعددا.

إن لمقاتلة الـ F-15 الإيغل أو النسر قصة عشق لدى الجانب الإسرائيلي، فهذه المقاتلة وفرت قدرات هائلة وتفوقا ملحوظا في جميع الصراعات التي خاضتها بالمنطقة. ومن أجل ذلك لا بد من تقفي أسباب هذا الاهتمام الغير عادي من قبل إسرائيل في الحرص على اقتناء المقاتلات التي سيتخلى عنها سلاح الجو الأمريكي في الوقت الحالي.

مقاتلة من طراز F-15EX

البداية

حققت إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 تفوقا جويا على الدول العربية رغم الفارق العظيم ما بين أعداد أسراب الطائرات لدى الجانب العربي عن ذلك الذي لدى إسرائيل. ولكن واجهت اسرائيل خلال الفترة التي تلت حرب ١٩٦٧ معضلة كبيرة في اعتراض طائرة الميغ – ٢٥ فوكسبات التي جلبها السوفييت إلى مصر للمساعدة في دعم القوات المصرية بطلب من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حينها، حيث كانت تحلق بارتفاع شاهق وسرعة عالية تجاوزت ٧٠ الف قدما و ماخ ٣ سرعة (ثلاثة أضعاف سرعة الصوت) فوق اسرائيل دون ان تتمكن مقاتلات الفانتوم التي بحوزة سلاح الجو الإسرائيلي من اعتراضها.

لكن حينما وصل خبر تطوير سلاح الجو الأمريكي لمقاتلة قانصة للاهداف الجوية أطلق عليها بعد ذلك F-15 Eagle اي النسر هرعت الأوساط الدفاعية في إسرائيل إلى إلقاء نظرة متفحصة عليها خصوصا بعد فشلها في تحقيق التفوق الجوي التام في حرب أكتوبر عام 1973.

انبهر الإسرائيليون بأداء النسر الأمريكي او F-15 والتي تتمثل في القدرة العالية على المناورة والتسارع الى جانب قدراتها الرهيبة على التسلق فور اقلاعها من على المدرج وصولا إلى ارتفاعات شاهقة في غضون دقائق معدودة والسبب يرجع إلى نسبة الدفع للمحرك الى الوزن العالية وانخفاض الاحمال على الجناح وهي نسبة وزن الطائرة الى مساحة جناحها. كما أن للايغل F-15 رادارا قويا ذو كشف عالي النطاق إلى جانب قدرة كشف الأهداف أسفل مستوى تحليق الطائرة الى جانب استخدام تكنولوجيا متقدمة تتمثل في شاشة العرض العلوية HUD و نظام HOTAS للتحكم بأنظمة الطائرة عبر أزرار مثبتة في المقود و الخانق للمحرك.

شكل دخول مقاتلة متفوقة جويا بعيدة المدى في سلاح الجو الاسرائيلي عام ١٩٧٦ قفزة نوعية كبرى فبعد ٣ سنوات فقط تمكن سلاح الجو من إسقاط اول مقاتلة معادية في تاريخ هذه المقاتلة جاعلا اياها الاولى في التعامل مع مقاتلات من صنع سوفياتي كالميغ حينما اشتبكت مع أحدها وكانت من نوع ميغ-21 سورية فوق الجنوب اللبناني عام ١٩٧٩.

ولادة الأسطورة

طرحت فكرة استخدام مقاتلة F-15A/B الايغل والتي كانت قد دخلت الخدمة حديثا مع سلاح الجو الإسرائيلي في شن الغارة على المفاعل الذري العراقي عام 1981، حيث وجد قادة سلاح الجو الإسرائيلي أن هذه الطائرة مناسبة وملائمة لمثل هذه المهمة، حيث لديها قدرات ادائية جبارة ناهيك عن تحطيمها لأرقام قياسية في التسلق والسرعة والارتفاع الشاهق. كما زودت برادار APG-63 المتطور ذو مدى كشف يتجاوز ١٦٠ كلم و قدرات Look down – Shoot down  بما يعرف بانظر أسفل – أطلق أسفل اي بإمكان الايغل ان ترصد كافة المقاتلات المتسللة اسفلها على ارتفاع ٢٠ قدما (٦ متر) وتمميزها من التضاريس وإطلاق صاروخ جو – جو من نوع سبارو AIM-7 عليها وهو ما كان وقتها يعد ميزة محصورة فقط بالايغل.

ورغم أن الايغل لم تصمم منذ الأساس كطائرة متعددة الاغراض الا ان هناك خاصية ثانوية لرادارها لتوجيه الأسلحة جو – أرض مثل القنابل الغير موجهه لكن كبر حجمها وسطح جناحها حال دون اتمامها للمهمة من دون حمل خزانات وقود مدمجة بالبدن تدعى Conformal Fuel Tanks او CFT حيث منعت الولايات المتحدة الأمريكية تزويد النسخة الإسرائيلية بها نتيجة ضغط من قبل الاتحاد السوفياتي وبعض الدول العربية بعد معاهدة كامب ديفيد.

تقرر أن يتم تنفيذ مهمة القصف بواسطة مقاتلات F-16 على أن ترافقها الـ F-15 ايغل العتيدة حيث ستقلع قبلهم والتمركز فوق العقبة ثم مرافقتهم للتصدي لاي مقاتلة ميغ عراقية قد تقلع لاعتراضهم واسقاطها وكذلك ستحمل الايغل معدات للتشويش على الرادارات العراقية لضمان عدم تمكن الدفاعات من إطلاق أسلحتها الموجهة ضد التشكيل الضارب لل F-16 أثناء تنفيذ الغارة.


هذا الى جانب الدفع بمقاتلتين من طراز F-15B ثنائية المقعد اضافيتين وظيفتها ان تعمل كوسيط إلكتروني للاتصالات عبر الأفق ما بين التشكيل الضارب وبين طائرة Boeing B707 للاستطلاع والاتصالات البعيدة المدى فوق تل أبيب في حين الايغل الإضافية ستكون فوق منطقة حدودية ما بين مملكتي السعودية والاردن. وبالفعل تمت المهمة بنجاح كبير ومن هنا بدأت فكرة تعددية المهام تراود الإسرائيليين بإضافتها إلى الـ F-15 النماذج ثنائية المقعد من طراز B قبل حتى أن يفكر الأمريكون بذلك.

صاروخ جو – جو من نوع سبارو AIM-7

مهمة غير عادية

في عام 1987 حصدت الـ F-15 كمية كبرى من المقاتلات السورية فوق سهل البقاع فيما عرف حينها بمجزرة الطائرات. ولم يكتف سلاح الجو الاسرائيلي باستخدام قدرات الايغل في نطاق جو – جو بل كان أول من ادخلها نطاق الـ جو – أرض مبرزا قدراتها العالية و مداها الطويل في عمليات القصف الجراحية حتى قبل أن يعتمد سلاح الجو الامريكي هذا المبدا في النموذج E العتيد.

فقد بينت الغارة التي نفذتها إسرائيل على مفاعل تموز في العراق عام 1982 أن الـ F-15 التي كانت تواكب مقاتلات الـ F-16 التي انيط بها مهمة قصف المفاعل كحماية كانت اكثر قدرة في الحمولة والمدى من الـ F-16 الأصغر حجما حيث لم تكن الـ F-15 تحتاج الى مواكبة لحمايتها اذا ما كانت مهمة القصف قد اوكلت بها، وهنا بدأت اسرائيل جديا في إدراج مهام القصف الجوي إلى نماذج الثنائية المقاعد من مقاتلات الـ F-15 الطراز B الى ان جاءت الفرصة.

ففي عام 1985 نفذ عناصر من منظمة التحرير الفلسطينيه PLO هجوما ضد  يخت تابع لاسرائيلين في قبرص، قررت بموجبه القيادة في تل أبيب الرد عليه هذه المرة بتنفيذ غارة جوية بعيدة المدى انطلاقا من إسرائيل وذلك لضرب مركز قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الذي انتقل من لبنان الى تونس قبل سنوات حيث اعتقد الفلسطينيون وقتها والجميع انهم في مناى عن قدرات سلاح الجو الإسرائيلي نظرا لبعد المسافة.

كانت إسرائيل وقتها قد تسلمت أولى دفع طائراتها من طراز الـ F-15 النموذج C و D الأحدث ورغم عدم اختلاف المظهر والشكل الهندسي للنماذج الأحدث عن نماذج A و B الا انها في الحقيقة تعتبر طائرات أكثر حداثة و تحتوي على خزانات وقود أكبر وأكثر سعة من سابقاتها وهو ما انعكس إيجابيا عليها من ناحية المدى، فقامت إسرائيل بتفعيل خاصية القصف الجوي لرادار APG-63 بها ونفذت عملية تعتبر الأكثر إثارة ونجاحا في تاريخ العمليات الجوية حيث حلق تشكيل من مقاتلات F-F-15C و D بحيث يتولى النموذج D ثنائي المقعد مهمة القصف لأنه يتطلب طيارا ومشغل أسلحة وملاحة جوية اما الـ C فقد كان للحراسة تحفهم طائرة صهريج للتزود بالوقود جوا من طراز بوينغ 707.

حلق التشكيل في سرية تامة وبعيدا عن الرصد بواسطة الدول المحيطة في البحر الأبيض المتوسط متخذا المياه الدولية التي لا تغطيها أنظمة الرادار مسارا له، وبالتالي لا يمكن كشفه و نفذت قصفا دمرت به جزءا كبيرا من مركز القيادة الفلسطينية وقتل نتيجة ذلك عددا كبيرا منهم.

الولايات المتحدة تعلمت الدرس

بعد نجاح الغارة على مقر القيادة الفلسطينية في تونس أدخلت الصناعات الجوية الإسرائيلية المحلية تعديلات على المقاتلات التي بحوزتها من طراز F-15 تضمنت نظارات للرؤية الليلية إضافة إلى خوذة من صنع محلي هي Elbit DASH والتي يمكن للطيار ان يشيح بنظره عن شاشات قمرة القيادة ومن ضمنها شاشة اعلى الرأس HUD حيث يمكن للخوذه توفير كافة المعلومات الملاحية الى جانب قدرة التصويب من خلالها بما يطلق عليه اصطلاحا look and shoot اي انظر وأطلق. او point and shoot. يذكر ان هذه الخوذة طورت لصالح مقاتلة LAVI اللافي الاسرائيلية والتي ألغيت فيما بعد فتم الاستفادة من تكنولوجيتها عبر ادماجها بمقاتلات F-15 و F-16 التي بحوزة سلاح الجو الاسرائيلي.

هذا إلى جانب القدرة على حمل قنابل موجهة مثل GBU-15 الموجهة الكتروبصريا الذكية، وهذا مكنها من امتلاك اسطول جوي تكتيكي متطور ومتعدد المهام وهو ما أوحى للشركة الصانعة للـ F-15 ماكدونل دوغلاس (آنذاك) بتطوير نموذج تكتيكي حديث مستفيدة من الخبرات الإسرائيلية عرف فيما بعد بـ F-15E ثنائي المقاعد.

قنبلة موجهة من طراز GBU-15

المغامرة التي آتت أكلها

خلال عاصفة الصحراء التي شنها التحالف الدولي ضد قوات نظام صدام حسين العراقية من أجل تحرير دولة الكويت من الاحتلال الذي قامت به تلك القوات، كانت إسرائيل على وشك التدخل في تلك الحرب عبر تجهيز سرب من مقاتلات F-15B/D المعدلة كمقاتلات متعددة المهام للقصف بعيد المدى لكن هذه المره عبر تعديل رادارها APG-63  كي يعترض أهدافا تحلق راسيا وبسرعة مثل صواريخ سكود بعد اطلاقها من منصاتها المتحركة وهو ما ادهش الامريكيون حيث ان قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة كانت قد اوعزت لعدد من مقاتلات F-15E التي استخدمت لاول مره في قتال كي تبحث عن منصات سكود المتحركة والتي هي عبارة عن عربات حاملة للصاروخ وضربها فور اكتشافها قبل أن تقوم باطلاق الصاروخ وذلك من خلال رادار البحث العامل بالمسح الراداري SAR او Synthetic Aperture Radar من طراز APG-70 القوي وكان تقنية حديثة حينها لكن الاسرائيليون كانوا يعلمون ان من الصعب جدا البحث عن تلك العربات التي تدرب جيش صدام على اخفاءها ببراعة واحترافية تامة من اجل تفادي ضربها وبالتالي قررت اسرائيل ان ترسل

سرب من مقاتلات F-15B/D المحدثة في دورية في غرب العراق وهي المنطقة الاقرب لاطلاق صواريخ سكود او الحسين المعدلة العراقية لضرب اسرائيل واسقاطها فور اقلاعها حيث تقوم مجسات للأشعة تحت الحمراء تحملها الايغل الاسرائيلية بالتقاط حرارة تلك الصواريخ فور اطلاقها وهي في مرحلة ضعيفة حيث تتطلب مدة كي تتسارع نتيجة للجاذبية الارضية التي تكون عالية حينها.

عموما اوقف الأمريكيون تلك المغامرة الإسرائيلية عبر تقديم تنازلات واسلحة لصالح اسرائيل اذا ما امتنعت عن التدخل وبالفعل هذا ما حدث.

المزيد من الـ F-15

“راعام/Raam” اي الرعد في اللغة العبرية، هذا ما اطلق الاسرائيليون على النموذج الأحدث من مقاتلة الايغل F-15E والتي حصلوا عليها في منتصف التسعينيات كمكافئة على عدم رد اسرائيل على هجوم صواريخ سكود التي أمطر النظام العراقي اعدادا منها تل أبيب في عاصفة الصحراء عام ١٩٩١ لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. استخدمت “راعام” أو F-15I كما يطلق عليها في عدة مواجهات، أهمها حرب لبنان عام 2006 و قصف المفاعل الذري السوري السري بدير الزور عام 2007.

وفي عام 2016 استحوذت اسرائيل على مقاتلات مستعمله من طراز F-15D ثنائية المقاعد كانت بحوزة سلاح الجو الأمريكي فرع الحرس الوطني، حيث انها و رغم قدمها تعد منصة ممتازة لتعزيز القدرات الضاربة والتكتيكية لسلاح الجو الإسرائيلي كما أنها أرخص ثمنا من شراء مقاتلات F-15I الاحدث بينما يمكن تحويل النموذج D الى مستوى I بعد اضافة مكونات متطورة لها محليا في إسرائيل كما بينا في بداية هذا الموضوع. وحيث أن الصناعات الجوية في إسرائيل واعده ولديها قدرات تفوق حجم الدولة نفسها فإن عملية تحديثها محليا تعد نقطة تحول هامه و مكسب اقتصادي مجدي من الناحية العملية، وهو ما يعزز النية الحالية من الاستحواذ على أكبر كم من مقاتلات F-15C/D التي ينوي الاستغناء عنها سلاح الجو الأمريكي. وهذا ما سيجعل إسرائيل من تعزيزها بمقاتلات إضافية من الجيل الخامس من طراز F-35 الأمر الذي سيوفر أسراب كبيرة قادة على شن هجمات منسقة فيما بينها بأقل التكاليف التشغيلية.

<strong>الأستاذ علي الهاشم</strong>
الأستاذ علي الهاشم

الأستاذ علي الهاشم، هو باحث ومختص كويتي بمجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية، عمل كخبير في مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية 22 سنة إلى تقاعده كما كانت له صفحة أسبوعية متخصصة بشئون الطيران وعلومه في جريدة القبس الكويتية لمدة 12 سنة، وله مقالات في عدة مجلات علمية ودفاعية وعلوم الطيران سواء العربية منها أم الإنجليزية. وقد قام بتجربة اختبار والتحليق بعدة طائرات عسكرية بعضها بشكل حصري.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*