لافندر: نظام الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي الذي يقرر من سيقصف

أ.د. غادة عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية

استخدم جيش الدفاع الإسرائيلي برنامجًا آليًا لاختيار أهدافه البشرية في حربه الأخيرة على الفلسطينيين، وهي ممارسة غير مسبوقة  في تاريخ البشرية، حيث كشفت مجلتي +972 وLocal Call الإسرائيليتين  كيف استخدم الجيش الإسرائيلي برنامج ذكاء اصطناعي يعرف باسم “لافندر” لتطوير “قائمة قتل” في غزة، كان من ضمنهم  37 ألف فلسطيني تم استهدافهم بالاغتيال دون إشراف بشري يذكر. ويستند التقرير جزئياً إلى مقابلات مع ستة من ضباط المخابرات الإسرائيلية الذين شاركوا بشكل مباشر في انشاء واستخدام نظام الذكاء الاصطناعي. وقد ذكر نصا في تقرير جريدة +972   “لعب لافندر دورًا مركزيًا في القصف غير المسبوق للفلسطينيين، خاصة خلال المراحل الأولى من الحرب”. وبين 7 أكتوبر و24 نوفمبر، تم استخدامه فيما لا يقل عن 15 ألف جريمة قتل في الحرب على غزة، وفقًا لتحقيق صحفي أجرته مجلة +972 ومكالمة محلية، والتي تم نشرها في صحيفة الغارديان. ووفقًا للمصادر، كان تأثيرها على العمليات العسكرية كبيرًا لدرجة أنهم تعاملوا بشكل أساسي مع مخرجات “لافندر”  “كما لو كان قرارًا بشريًا”، حيث ذكر في  التقرير أن الضباط، تحت ضغط لجمع بيانات جديدة والعثور على أهداف جديدة، أمضوا بضع ثوانٍ فقط في النظر في كل حالة، ووضع قرار “لافندر” موضع التنفيذ، وبالتالي كان القرار النهائي بنسبة كبيرة لبرنامج “لافندر”. يفيد التقرير أن برنامج ” لافندر” تم تصميمه من قبل جيش دولة الاحتلال، وكان الهدف منه هو تمييز الناشطين ذوي الرتب الدنيا في الجناحين العسكريين لحماس والجهاد الإسلامي، والذي تقدرهم اسرئيل بأنهم يتراوحون ما بين 30.000 إلى 40.000 فرد. لذلك يدعون أن الطريقة الوحيدة بالنسبة لهم لتحديد هؤلاء الأشخاص هي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لان عددهم كبير. لذلك تم تطوير برنامج “لافندر” من قبل قسم استخبارات النخبة في جيش الدفاع الإسرائيلي، الوحدة 8200.

يعمل  “لافندر” عن طريق مسح معلومات عن 90% من سكان غزة، (أكثر من 2.3 مليون شخص)، ويأخذ أيضا المعلومات من المعلومات التي تخزنها أجهزة المخابرات الإسرائيلية حيث إنها تقوم بجمع كافة أنواع البيانات عن الفلسطينيين منذ سنوات. فتتم معالجة وتخزين البصمة الرقمية لهواتفهم المحمولة، بدءًا من المواقع وحتى تفاعلات وسائل التواصل الاجتماعي. ايضا الكاميرات المزودة بأنظمة التعرف التلقائي على الوجه، وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست برنامج يسمى “الذئب الأزرق” ” Blue Wolf ” يهدف إلى تسجيل وجوه الفلسطينيين بما في ذلك الأطفال وكبار السن. تتم إضافة الأفراد إلى قاعدة بيانات مع معلومات تستخدمها برامج مثل “لافندر”. ويمنح كل فرد تقييمًا يتراوح بين واحد إلى 100، وهو تقييم يمثل تعبيرًا عن احتمالية بأن ذلك الفرد هو عضو في المجموعة المستهدفة، فيُقتل الأفراد الحاصلون على درجات عالية مع عائلاتهم وجيرانهم. وذلك استنادًا إلى قائمة من الميزات الصغيرة التي تم تغذيته بها، وبعدها يقرر البرنامج بأن هذا الشخص مستهدف أم لا، فلو مستهدف يتم تمييزه بعلامة “لافندر”. لذلك خلال الأسابيع الأولى بعد شهر أكتوبر، تم تمييز المستهدفين ذوي الرتب المنخفضة في حماس بعلامة “لافندر”، كذلك أعطى البرنامج لكل واحد منهم درجة يطلق عليها “درجة الأضرار الجانبية”. ودرجة الاضرار الجانبية هذه تعني أنه مقابل استهداف كل هدف منخفض الرتبة تحدده لافندر، يُسمح بقتل 20 مدنيًا ، بغض النظر عن رتبته، بغض النظر عن أهميته، بغض النظر عن عمره. وقال أحد المصادر إن هناك أيضًا قاصرين تم وضع علامة عليهم، كذلك لا يوجد حد أقصى للعمر. وقالت المصادر إنه بالنسبة لكبار قادة حماس من قادة الألوية أو الفرق أو الكتائب  كانت أرقام الضحايا للمدنيين المسموح بقتلهم لاجل استهداف الشخص في خانة الثلاثة أرقام، مثلا ما حدث لاستهداف قائد اللواء المركزي في حماس “أيمن نوفل”، قال مصدر شارك في الضربة ضد ذلك الشخص إن الجيش سمح بقتل 300 مدني فلسطيني إلى جانب ذلك الشخص. وقد إشارة جريدة +972 في تقرير لها أن أربعة مباني سكنية كبيرة جدًا تم قصفها في ذلك اليوم، ، وقصفت شقق بأكملها مليئة بالعائلات. وهذا ليس خطأ، بل إنه كان معروفًا مسبقًا للجيش الإسرائيلي. لقد قال التقرير سالف الذكر أن جيش دولة الاحتلال كان يعلم جيدا ان هذا سوف يحدث، وبالتالي عرف الجيش أن ما يقرب من 10٪ من الأشخاص الذين حددت الآلة أنهم سيُقتلون ليسوا من مقاتلي حماس، ولم يكونوا كذلك!

لقد تم تصميم برنامج “لافندر بشكل يعتمد على أنظمة المراقبة الجماعية وبما يسمى الارتباط. حيث تربط أي معلومة بأي معلومة أخرى وبسرعه وتعمل علاقة مفترضة،  فقد افاد أحد المصادر في التقرير أن “لافندر” كان تتعامل مع أي شخص لديه نفس الاسم واللقب مع أحد من حماس كعنصر في حماس، أيضا أي اشخاص لهم أي اتصال، حتى لو بعيد مع أي فرد من حماس على إنه من حماس، مثلاً عمال الدفاع المدني أو أي شرطي لو طلبهم أي شخص من حماس للإغاثة يتم ربطه معهم. أحد المدخلات إلى “لافندر” كانت أيضا إذا كان أي فرد في مجموعة واتساب مع عضو مشتبه به في حماس (وهذا يشير أصابع اتهام لشركة ميتا). وللأسف وبسبب المذبحة التي تحدث في غزة، قام معظم السكان بإنشاء مجموعات للتواصل للإغاثة أو التنبيه من القصف. وبالتالي فكل سكان غزة اصبح مشتبه بهم!

وباختصار لفهم أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها دولة الاحتلال، يعمل نظام “لافندر” على تحديد هوية المشتبه بهم، بينما يحدد برنامج “الإنجيل” (الذي تحدثنا عنه في مقال سابق) المباني والمرافق التي يُزعم أن المشتبه بهم يستخدمونها. وبرنامج “أين أبي؟” (سوف نتحدث عنه في المقال التالي) يقوم بمراقبة هذه الأهداف التي حددها برنامج “لافندر” وتنبيه الجيش بوجودهم داخل المباني أو المرافق التي حددها برنامج “أين أبي؟”.

إن ما يحدث يشكل خطرًا كبير على الإنسانية، فمثل هذه الحرب القائمة على الذكاء الاصطناعي تسمح للناس بالهروب من المساءلة. إنه يسمح بتحديد أهداف، في الواقع، على نطاق واسع، ويقوم بجرائم حرب وابادة جماعية دون أي مسائلة قانونية، بل أحيانا بمباركة المجتمع الدولي، وكله بحجة الدفاع عن النفس التي تتم باستخدام التزييف العميق، كما تفعل الان دولة الاحتلال!