المفاضلة بين الجنزير والعجلة .. كفة من ترجح؟

أنور الشرّاد – باحث عسكري

منظومة الجنازير track systems التي تتنقل عبرها دبابات المعركة الرئيسة والكثير من عربات القتال الأخرى، يجب أن تؤدي وظيفتان أساسيتان، أحداهما يرتبط بنشر وتوزيع إجمالي الحمل الخاص بكتلة العربة على مساحة كبيرة بما فيه الكفاية من السطح وذلك لمنع غطس أو غوص العربة على نحو غير ملائم خلال هذا السطح، خصوصاً إذا ما كان ناعماً أو رخواً soft ground. بالنتيجة، منظومة الجنازير توفر فرصة حركة أفضل للعربة خلال أغلب أنواع الأسطح الأرضية التي يمكن للعربة مواجهتها. الوظيفة الأخرى للجنازير هي أن تنقل للسطح الذي تتحرك من خلاله جهد الجر tractive effort أو قوة الاحتكاك الممارسة من قبل فقراتها المتحركة على السطح الذي تسير خلاله. هذا الجهد يتم توليده في الأساس من قبل محرك العربة وذلك لإنجاز قوة زخم كافية لدفع فقرات الجنزير إلى مواجهة المقاومة إلى حركتها. والتوضيح، فإن المنطقة السطحية الكبيرة للجنازير surface area تعمل على توزيع وزن العربة بشكل أفضل مما هو متاح للعجلات المطاطية على عربة مكافئة لها في الوزن. فالجنازير تمكن العربة من عبور واجتياز الأراضي الناعمة مع احتمالية أقل لمواجهة حالة الإنغراز أو الالتصاق stuck. لقد تركز تطوير الأجزاء أو القطع البارزة للصفائح المعدنية والملامسة لسطح الأرض لكي تكون قادرة على مقاومة الأضرار والتلف ومعامل الاهتراء والتآكل الشديدين hard-wearing، خصوصاً بالمقارنة مع العجلات المطاطية.

تتألف الجنازير الحديثة من وصلات/وحدات مسلسلة chain links ذات أبعاد قياسية متماثلة، التي توضب سوية كحلقة سلسلة مغلقة. حيث تربط هذه الوصلات وتجمع بمشابك معدنية، التي بدورها تسمح لحلقة الجنزير كي تكون مرنة وانثنائية flexible وتلف حول مجموعة العجلات لتصنع أنشوطه أو سلسلة حلقات متتابعة. إن وصلات السلسلة واسعة في أغلب الأحيان ومصنوعة من فولاذ سبيكة المنغنيز لتحصيل قوة عالية قادرة على مقاومة مظاهر الحك/القشط abrasion resistance. أما آلية نقل القوة للجنزير فتنجزها عجلة التسيير drive wheel، حيث تشتبك أسنان هذه العجلة مع الفتحات والثقوب الموجودة في وصلات الجنازير أثناء عملية الدوران لقيادة وتسيير الجنزير ومن ثم العربة. تستعمل بعض أنماط الجنازير دحاريج إدارة return rollers لإبقاء قمة الجنزير تجري مباشرة بين أسنان عجلة التسيير والعجلة الحرة/العاطلة idler wheel. أنواع أخرى تسمى “الجنازير المرتخية” slack track، تسمح للجنزير بالتدلي والدوران على طول قمة عجلات الطريق الكبيرة.

أما عن مزايا استخدام الجنازير مقارنة بالعجلات الهوائية التقليدية pneumatic tires، فيمكن إيجازها بالقول إن العربات المجنزرة لها قابلية حركة أفضل من العربات المدولبة على الأرض الوعرة والقاسية. فهم يسهمون بكفاءة في تجاوز العثرات والطيات السطحية. هم قادرون على الانزلاق والانسياب على العقبات والعوائق الصغيرة small obstacles وكذلك عبور الخنادق وتجاوز معظم أنماط التضاريس. الجنازير أكثر قسوة وصلابة من الإطارات لكونهم لا يمكن أن يثقبوا أو يمزقوا punctured، كما أنهم أقل احتمالية بكثير للانحصار والالتصاق في الأراضي الناعمة والطينية أو الجليد وذلك نتيجة قابليتهم على توزيع وزن العربة على منطقة اتصال أكبر، مما ينقص معه من ضغطهم الأرضي. وبالإضافة لمنطقة الاتصال الأكبر، فإن استخدامهم اقترن عادة بالمرابط أو النتوءات المشبكية grousers المثبتة على صفائح الجنزير، مما يسمح بقابلية جر متفوقة جداً، الأمر الذي يؤدي إلى قدرة أفضل بكثير على دفع أو سحب الأحمال الكبيرة (كما هو الحال عندما تزيح الدبابات الرمال لتجهيز مواضعها الخاصة). الجنازير يمكن أن تعطي للعربات المدرعة قابلية حركة maneuverability ومرونة أعلى أيضاً، حيث أنها قادرة على جعل العربة تنعطف وتدور في موقعها دون الحاجة للتقدم أو التراجع وذلك بتوجه الجنازير في اتجاهين متعاكسين. في الحقيقة أحد المساوئ الرئيسة للعجلات التقليدية مقارنة بالجنازير هو قابلية تضررها المرتفعة بالشظايا والذخيرة المتفجرة. فخلال حربي الخليج الأولى والثانية تحدث أطقم العربات المدولبة لقوات التحالف عن معضلة تعرض عرباتهم للذخيرة التقليدية المحسنة ثنائية الغرض DPICM التي نشرت بقذائف المدفعية على مناطق واسعة وكذلك الأمر بالنسبة للذخيرة الفرعية الخاصة بالقنابل العنقودية CBU الملقاة من المقاتلات. فنتيجة العدد الكبير للذخيرة الفرعية غير المنفجرة unexploded bomblets في مناطق العدو، كان على أفراد العربات المدولبة مراعاة هذا الأمر عند الرغبة في التقدم بالإضافة للأفراد الراجلين.

أما عن مساوئ استخدام منظومات الجنازير فهي أيضاً معلومة وملموسة، إذ تتركز أضرار الاستخدام في تحصيل سرعة قصوى دون تلك المحصلة بمنافستها الإطارات الهوائية. أيضاً الجنازير من ناحية الأمور الفنية أكثر تعقيد ميكانيكياً mechanical complexity، والأضرار التي تسببها نسخهم الفولاذية بالكامل (دون وسائد مطاطية) إلى الأسطح التي تتحرك خلالها كبيرة نسبياً، بما في ذلك الإتلاف الشديد للأرصفة وطبقة الإسفلت السطحية. فالجنازير الحالية ليست ثقيلة وصاخبة فقط، لكنها أيضاً يمكن أن تلحق الأضرار الشديدة إلى الطرق الممهدة. هذا الأمر قد يبدو غير مهم في ظروف الحرب لكنه بالتأكيد كذلك وقت السلم. وحتى عند إضافة الوسادات المطاطية rubber pads، فهذه مع أنها تخفض الأضرار للحد الأقصى وتضمن للعربة المجنزرة قابلية انتقال وحركة أكثر سهولة وبشكل هادئ على الأسطح المعبدة، إلا أنها في المقابل تخفض إلى حد ما من قابلية جر عربة في التضاريس الريفية cross-country traction. إضافة إلى ذلك، خسارة قطعة واحدة معدنية من حلقات الجنزير يمكن أن تعرقل وتعطل كامل العربة، التي يمكن حينها أن تكون في موقف حيث الموقف التعبوي والثقة العالية مطلب هام وحاسم. أخيراً يمكن القول إن استخدام الجنازير بشكل مطول ومستمر، يفرض حالة إجهاد هائل على نظام نقل الحركة الدافع وميكانيكا المنظومة ككل، التي يجب أن تفحص بدقة أو تستبدل بانتظام. إن من الشائع رؤية العربات المجنزرة مثل البولدوزرات والدبابات وهي تنقل لمسافات طويلة من قبل ناقلات العربات المدولبة wheeled carrier أو على القاطرات، مما يضع عقبات لوجستية طويلة أمام عمليات الشحن والنقل.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*