القوات الجوية الملكية السعودية.. رؤية إستراتيجية للمهام المستقبلية

العقيد الركن م. ظافر مراد

تبوأت المملكة العربية السعودية مركزاً مرموقاً ودوراً فاعلاً ورئيساً في تحديد ورسم مستقبل المنطقة وضمان إستقرارها، تعيش المملكة العربية السعودية جملة من التحديات والمخاطر التي تستهدفها، كما أنها، ومن خلال طبيعة دورها ووضعها الجيوبوليتيكي ومواقفها في السياسة الدولية، قد تتعرض لمخاطر وتهديدات مستقبلية تأخذ أشكالاً مختلفة ومتنوعة. وتقوم القوات المسلحة السعودية بكافة أفرعها بمهام رئيسة في حماية أمن ومصالح المملكة. ووفقاً لتصنيف” Global Fire Power” للعام 2022، احتلت القوات المسلحة السعودية المرتبة 20 من بين 142 دولة يتم إستبيان قوتها العسكرية سنوياً. وكما هو معروف، فإن من بين أفرع القوات المسلحة في معظم دول العالم، تلعب القوات الجوية دوراً أساسياً في قدرات الجيوش الدفاعية والهجومية، وأيضاً في تكريس مفهوم الردع ضد الأعداء. وقد جاء ترتيب القوات الجوية الملكية السعودية في المرتبة 12 من بين 142 دولة.

تتألف القوات الجوية الملكية السعودية من تشكيلات متعددة المهام، وتضم في قواتها 897 طائرة متنوعة، تشمل 283 مقاتلة متعددة المهام طراز F-15 ويوروفايتر تايفون ( المرتبة 9 عالمياً)، 81 قاذفة هجوم أرضي (المرتبة 9 عالمياً)، 49 طائرة نقل، 190 طائرة تدريب، 14 طائرة مهام خاصة، 22 طائرة تزود بالوقود جواً ( المرتبة 2 عالمياً)، 258 طوافة، 34 طوافة هجومية. وهنا لا يجب أن ننسى أنه بالرغم من الميزات الخاصة للطائرات الحديثة، إلا أن تجهيزها بمنظومات رادارات الملاحقة وتقنيات التخفي وصواريخ الاشتباك الجوي والهجوم الأرضي، هو ما يجعل من هذه الطائرات الحديثة آلات قتالية فعالة تؤمن التفوق الجوي أو السيطرة الكاملة على الأجواء، والتدخل بفعالية ضد الأهداف المعادية الأرضية. خاصة صوامع الصواريخ الإستراتيجية وقواعد الدفاع الجوى ومقرات القيادة والسيطرة والحرب الإلكترونية.  

لا يقتصر حساب القدرات العسكرية لأي دولة على المعايير العددية للعناصر والأسلحة فقط، بل يرتبط ذلك بعدة قضايا أخرى أكثر أهمية، مثل مستوى القيادة العسكرية العليا، وكفاءة منظومة القيادة والسيطرة لديها، وقدرتها القيادية الفكرية والتنظيمية على إدارة الصراع، ونجاحها في وضع إستراتيجية عسكرية ملائمة للظروف، تستطيع من خلالها التغلب على المخاطر والتحديات، وذلك بواسطة التخطيط والتوقع لأي مهام ومخاطر مستقبلية، ويسجل تاريخ الجيش السعودي نقاطاً بيضاء في هذا المجال، من حيث مستوى التعليم العسكري العالي والخبرات المكتسبة.

إضافة إلى المهام التقليدية التي تقوم بها “القوات الجوية الملكية السعودية” فإن هناك مهام إقليمية وعالمية ملقاة على عاتقها، وقد تشارك بها بفعالية في المستقبل، خاصة في ظروف الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعياتها العالمية على أمن الطاقة والأمن الغذائي. وفي طليعة هذه المهام، أمن المضائق البحرية في المنطقة ( قناة السويس، باب المندب ومضيق هرمز)، أمن الطاقة العالمي وحماية مناطق الإنتاج وخطوط النقل، المشاركة في ضرب المجموعات الإرهابية المتوقع عودتها للعمل في ظروف التوترات المستجدة. وأخيراً البقاء على استعداد  لحماية أجواء المملكة في ظروف أي حرب قد تحدث في حالة الفشل النهائي للإتفاق النووي مع إيران.

يضغط الوضع الأمني والسياسي في المنطقة على الحراك الديبلوماسي. والذي نشط بمستوى رفيع جداً غير مسبوق، والذي له أسبابه وتفسيراته في هذا المجال. فالجولة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى كل من مصر والأردن وتركيا، تهدف إلى رسم خريطة تحالفات وتفاهمات جديدة في المنطقة، وبناء شراكة أمنية واقتصادية وسياسية لمواجهة المخاطر والتحديات القادمة، ونستطيع أن نتحدث الآن عن “جيوبوليتيك سعودي” صاعد مترافق مع الحديث عن فكرة إنشاء “ناتو شرق أوسطي”. وذلك قبل زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى المنطقة. حيث ستكون المملكة العربية السعودية محطة أساسية في جولته.