“فولكروم” بنكهة “إف – 16” (الجزء الثاني)

علي الهاشم – باحث ومختص بمجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية

الجهازية التشغيلية

تُعتبر الجاهزية التشغيلية أو الجهازية والاستعداد التشغيلي Operational readiness training عملية حاسمة لضمان استعداد فرق العمليات العسكرية لتحمل المسؤولية الجديدة وتشغيل وصيانة المعدات العسكرية بكفاءة. يتطلب ذلك تدريبًا مكثفًا واستعدادًا للتكيف مع مختلف الظروف القتالية. وقد تكون التمارين العسكرية مثل العلم الأحمر والتوب غان فعالة في تحسين هذه الجاهزية وتمكين القوات العسكرية للتأقلم مع التحديات المختلفة.

تنقسم العمليات التشغيلية إلى مجموعتين رئيسيتين: المشغلون المحليون في الموقع ومشغلي التحكم المركزي في منشأة التحكم المركزية. تحتاج كلتا المجموعتين إلى استعداد وجاهزية لضمان تقديم الدعم المطلوب وتشغيل النظام بكفاءة عند الحاجة إليه.

من الأمثلة على تطوير الجاهزية التشغيلية، قام حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتعزيز قدراته لمواجهة أنظمة الدفاع الجوي بمختلف أشكالها، في حين لم يقم الجانب الروسي بتحديث مفاهيمه رغم تجربته في أفغانستان في عهد الاتحاد السوفيتي. يتم تكوين القوات الأوكرانية سراً على يد الناتو لمواجهة القوات الروسية منذ احتلال روسيا للقرم في عام 2014. هذا يفسر سرعة تكيف القوات الأوكرانية مع التكنولوجيا العسكرية الغربية وتكيفهم مع الظروف المحيطة.

تطور قدرات سلاح الجو الأوكراني

تطورت قدرات سلاح الجو الأوكراني بمرور الوقت من خلال استخدام طائرات مثل “سو – 24” و “سو – 25″، ومع ذلك، فإن طائرة “ميغ – 29” هي التي تميزت بشكل أكبر وقامت بتغيير تكتيكاتها وقدراتها.

أصبحت طائرة “ميغ – 29” مزوَّدة بصواريخ غربية مضادة للرادار من طراز “هارم” HARM. تم إجراء التعديلات على طائرات “ميغ – 29” بالتعاون مع خبراء من سلاح الجو السلوفاكي الذين قدموا تلك الطائرات والصواريخ لأوكرانيا. تمت إضافة وصلة البيانات Data Link لتمكين الطائرة من نقل البيانات إلى الصواريخ وإطلاقها على الأهداف. ونتيجة لذلك، تسببت الصواريخ في أضرار جسيمة في بعض الرادارات الروسية وتم تدميرها بالكامل.

في الواقع، عملية مزج الأسلحة الغربية مع الطائرات الروسية ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى فترة الحرب الباردة. لقد قامت الهند بدمج ذخائر غربية الصنع بطائراتها من طراز “ميغ – 21” و “ميغ – 23” و “ميغ – 27”.

كما فعلت مصر والعراق نفس الشيء. وتم تجهيز بعض مقاتلات “ميغ – 21” في كلا البلدين بصواريخ جو – جو من نوع “ماجيك” الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، حملت طائرات “سو 22” و “ميغ – 29” العراقية ذخائر وقنابل من صنع فرنسي وإسباني، بالإضافة إلى حاويات “ريمورا” للتشويش الإلكتروني، مما منحها قدرات كبيرة.

يتمتع الطيارون الأوكرانيون بمهارات عالية في التحليق على ارتفاعات منخفضة جدًا. يلجأون إلى تكتيكات الضرب والاختباء المعروفة باسم “هجوم وانسحاب” (Hit and Run)، وذلك لتجنب التعرض للخطر عند التواجد لفترة طويلة بالقرب من مناطق الاشتباك. يقوم الطيارون بتنفيذ هجمات مفاجئة على الأهداف المعادية وسرعان ما ينسحبون للابتعاد عن مكان الاشتباك قبل أن يتم رد الفعل المعادي. هذا النهج يساعدهم على تقليل المخاطر والبقاء في الأمان بعيدًا عن النيران المعادية.

التحليق على ارتفاعات منخفضة

في الماضي، قام العديد من الطيارين العسكريين بتنفيذ هذا النوع المحدد من التحليق، وتميز الطيارين الإسرائيليين والعراقيين بروزًا على المستوى العالمي خلال الفترة من عام 1960 حتى 2003.

لتحقيق ضربة فعالة لأهداف محمية جيدًا وتجنب أنظمة الكشف والرصد التي تعمل بموجات الرادار، يجب على الطيارين التحليق على ارتفاعات شبه ملاصقة بالأرض. على سبيل المثال، قد تعجز بعض رادارات الطائرات المعادية عن اكتشاف وجودهم أثناء التسلل بسرية تحت هذه التضاريس.

يعتمد الطيارون العراقيين على تكوين تشكيل قتالي مؤلف من عدة مقاتلات “ميراج إف-1″، حيث يقوم بعض الطيارين بتزويد الآخرين بالوقود في الجو على ارتفاعات تقل عن 150 قدمًا (حوالي 30 مترًا) بمهارة وبراعة لافتة، وتم تأكيد ذلك من قِبَل الأمريكيين والفرنسيين.

كل ما تم ذكره يُعزز أهمية تكتيك التسلل بالارتفاع المنخفض كحل فعّال لشن ضربات على العدو دون أن يتمكن من رصدهم في الوقت المناسب. وتتمتع الطيارون الأوكرانيون المشاركون في جبهة القتال مع روسيا، وخاصةً عل “ميغ-29 فولكروم”، بخبرة عالية في تنفيذ هذا التكتيك، مما يجعل هذا الموضوع أكثر أهمية وتحتاج إلى التركيز عليه في المقال.