هل كان الهجوم الإيراني على إسرائيل ناجحاً بمقاييس العمليات العسكرية؟

العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري

نفذت ايران هجوما عسكريا كبيرا على اسرائيل ليلة السبت بوحدات الصواريخ البالستية وصواريخ كروز والمسيرات الإنتحارية وذلك ردا على ضربة إسرائيلية استهدفت مقرا دبلوماسيا إيرانيا في دمشق قبل أيام ومقتل ضباطا بارزين في الحرس الثوري , الرد الإيراني أعلن عنه قبل 72 ساعة من تنفيذه وتم ابلاغ دول الجوار والولايات المتحدة وتركيا بذلك على الرغم من أن ذلك يعد أمراً غير مسبوق وغير متفق مع قواعد السرية المعتادة خلال التخطيط للعمليات العسكرية ومن هنا تبدأ التساؤلات حول الرد الإيراني هل هي عملية عسكرية مخطط لها بعناية أم أنها مناورة سياسية كانت هذه العملية جزءاً منها.

بحسب المعلومات المتوفرة بدأ الحرس الثوري الإيراني العملية بإطلاق حوالي 300 طائرة مسيرة بدون طيار مختلفة الأنواع وعشرات صواريخ كروز والصواريخ الباليستية وهذه الوسائط ستقطع مسافة جوية تصل الى حوالي 1585 كم وستستغرق المسيرات عدة ساعات “حوالي 7 ساعات” لتصل إلى أهدافها داخل اسرائيل وقد شوهد عدد منها في سماء عدة مدن عراقية وهي تتجه غربا وردًا على ذلك، قامت إسرائيل بتفعيل دفاعاتها الجوية، وأنتظرت وصولها لتنجح في اعتراض غالبية هذه التهديدات الصاروخية الجوية.

بدا الأمر برمته وكأنه تدريبًا متقدمًا لقدرات ايران على التنفيذ مع ما تملكه من ترسانة صاروخية ومسيرات حديثة وأيضاً لقدرات إسرائيل على مواجهة التهديد وهي التي تمتلك اسلحة حديثة قادرة على التصدي لمثل هذه الهجمات بدقة كبيرة خاصة وأن المعلومات كانت متاحة ومتوفرة بشكل كبير للجميع وهذا بدون شك ساهم في التقليل من فعالية الضربة خاصة وأن إسرائيل والولايات المتحدة مجهزتان بأسلحة قادرة على تنفيذ عمليات اعتراض حتى خارج الغلاف الجوي مثل صواريخ المعترض هيرتز 3 أو ستريلا 3 كما يُعرف أيضًا، أو المعترض SM-3 التابع للبحرية الأمريكية وايضا منظومة القبة الحديدية ومقلاع داوود التي تعتمد عليها اسرائيل بدرجة كبيرة.

كما ساهمت بعض الدول في تتبع وإسقاط الوسائط الايرانية خلال رحلتها للوصول إلى اسرائيل وجرت بعض عمليات الإعتراض للصواريخ البالستية الإيرانية خارج الغلاف الجوي للأرض على ارتفاع 100 كيلومتر تقريبًا فوق مستوى سطح البحر، وهي الحدود المعروفة باسم خط كارمان وأي اعتراض يحدث خارج هذه الحدود يعتبر خارج الغلاف الجوي , ومن المعروف أن الصواريخ الباليستية تتبع بعد إطلاقها مسارًا يخرجها خارج الغلاف الجوي للأرض ويُعرف هذا بمرحلة مسار الصاروخ نحو الهدف، وخلال هذه المرحلة عادةً ما تتم محاولة اعتراضه لتدميره أثناء وجوده في الفضاء قبل أن تتاح له الفرصة للوصول الى هدفه.

يتضمن اعتراض الصواريخ في الغلاف الجوي الخارجي سلسلة معقدة من الأحداث تبدأ بالكشف عن الصاروخ الهدف القادم عن طريق الرادارات أو الأقمار الصناعية ومن ثم تحديد موقعه في الفضاء ليتم إطلاق صاروخ لاعتراضه والإصطدام به في الفضاء مسترشدًا ببيانات من الرادارات الأرضية أو أجهزة الاستشعار الموجودة على متنه ويتطلب الاعتراض الناجح حسابات وتوقيتًا دقيقًا بحيث يتطابق الصاروخ الاعتراضي مع سرعة الصاروخ القادم ومساره وارتفاعه حتى يصطدم به ونظرًا للسرعات العالية التي يتحرك بها كل من الصاروخ المعترض والصاروخ القادم فإنها تعتبر مهمة دقيقة وهي غالبًا ما تشبه إصابة رصاصة برصاصة أخرى. 

غياب عنصر المفاجأة والإبلاغ عن العملية مسبقاً والإعلان عنها وكأنها إحتفالية فنية أو فعالية إقتصادية محدد وقتها , ساعد في حساب زمن وصول المسيرات الذي كان كافيا للإستعداد وتفعيل وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلي بمختلف أسلحته لإعتراض وسائط ايران القتالية المنفذة للهجوم وهذا ما حصل حيث اعلن الإسرائيليين بأنهم نجحوا في اعتراض 99 % من وسائط الهجوم الإيراني من الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار مع أن بعض الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية أستطاعت الوصول إلى أهدافها، وتحديدا قاعدة رامون الجوية في صحراء النقب. 

لاحقا أعلنت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى (سنتكوم)، أن الولايات المتحدة، وبدعم من مدمرات أوروبية، دعمت وساهمت في اقتناص وتدمير أكثر من 80 مسيّرة و6 صواريخ باليستية على الأقل خلال الهجوم الإيراني ودمرت سفينتان أميركيتان موجودتان في المنطقة، هما “يو إس إس أرلي بيرك” و”يو إس إس كارني”، 6 صواريخ، قبل أن تتدخل الطائرات المقاتلة وتدمر بدورها أكثر من 70 مسيّرة إيرانية وساهمت أيضا بطارية صواريخ باتريوت صاروخ كروز في مكان ليس بعيدا عن مدينة أربيل العراقية في كردستان العراق في اسقاط الصواريخ الإيرانية.

تسخر إسرائيل امكانات تقنية هائلة لتعزيز دفاعاتها فيكفي أن نعرف بأن قمرها الصناعي أفق 13 يدور حول سطح الأرض مرة كل 90 دقيقة، ويتحرك في مسار يمر فوق سوريا وإيران وبالتالي فهو يرى وينقل كل التحركات الإيرانية أولاً بأول ولذلك فليس غريبًا أن تعترض اسرائيل الهجوم الإيراني وتسقط بحسب بياناتها على ما مجموعه 99% من وسائطه مع أنها تقديرات غير مؤكدة ويبدو أنه مبالغ فيها كثيراً وهذا يعني فشل الهجوم في تحقيق أهدافه , في حين أن ايران تعتبر عمليتها ناجحة وتعلن بأنها لا ترغب في تصعيد أعمالها القتالية ضد إسرائيل , وهذا الوضع يضع أمامنا الكثير من التساؤلات أهمها هل فعلاً نجح الهجوم الإيراني عسكريًا على إسرائيل؟

نجاح العمليات العسكرية يتوقف على عوامل عديدة ومن أهمها الإختيار الجيد للأهداف وكذلك حالة الدولة والعدو والقدرات العسكرية للدولة ومدى القدرة على الرد وقبل كل ذلك ما يتوفر لها من معلومات عن العدو والتنبؤات بما قد يحصل كننائج مباشرة للعملية , فهل أخذت ايران بكل هذا العوامل عند تخطيطها لتنفيذ الهجوم أم هو ردة فعل سريع غير محسوب النتائج وهذا الأخير قد يظهر نتائج سلبية كبيرة ويعطي انطباعا غير محمود لدول دول العالم ومن الممكن أن يجر الى تحديات جديدة هم ليسوا في حاجة لإثارتها. 

عمليًا الهجوم الإيراني لم تتوفر له معطيات النجاح قبل أن يبدأ فالإعلان المسبق عنه وغياب مبدأي السرية والمفاجأة أثرا بشكل كبير على نجاحه والكثير من المراقبين والمحللين أعتبره مناورة تمثيلية لحفظ ماء الوجه وكسب تعاطف الشعب الإيراني ومحاولة للتأثير العاطفي على العرب والمسلمين الذين يتلهفون على تنفيذ ضربات مماثلة للعدو الصهيوني خاصة بعد عملياته الإنتقامية الأخيرة في قطاع غزة الفلسطيني .

ومع ذلك فمجرد الدخول فعليا في العملية يعد إنجازاً يستحق الإهتمام خاصة بعد إنتشار مشاهد الخوف والرعب والتدافع نحو الملاجئ في اسرائيل وربما الشئ الأكثر تأثيرا هو أن أدركوا بأنهم ليسوا في مأمن وهذا الأمر يثبط معنوياتهم خاصة بعد نجاح عملية أكتوبر الحمساوية فوصول وسقوط بعض الصواريخ ومسيرات الكاميكازي فعليا على اسرائيل جعلها تعيد حساباتها وأستعداداتها وفي هذا الشأن استخدمت إسرائيل ما قيمته مليار دولار من إمدادات الدفاع الجوي للدفاع عن نفسها من إيران ليلة الهجوم وهو من الأمور المرهقة لميزانيتها خاصة لو أستمرت الهجمات وهو في المجمل من النتائج الإيجابية للهجوم الإيراني الخجول.

من المؤكد بأنه لدى القادة الإيرانيين خيارات متعددة لتنفيذ الهجوم كأن يقوموا مثلاً “عملية إغراق صاروخي”وذلك بتوجيه ضربات صاروخية مجمعة باعداد كبيرة من مختلف أنواع الصواريخ البالستية والمجنحة بالتزامن مع أسراب المسيرات والذخائر المتسكعة التي نجحت في تطويرها وصناعتها نحو المنشآت الإسرائيلية بشكل هجمات متتالية بفواصل زمنية قصيرة تحقق معها مبدأ المباغتة والمفاجأة لاحداث تأثير أكبر على اسرائيل خاصة وأن إيران دولة مصنعة للمسيرات والصواريخ البالستية والمجنحة ولها باع طويل في ذلك وتحتفظ بمخزون كبير من هذه الوسائط القتالية , حينها كان الهجوم سيكون أقوى والرد أعنف والنتائج ايجابية.

سياسيًا الهجوم الإيراني أظهر العدو الإسرائيلي وكأنه مستهدف وكيانه معرض للخطر وهذا زاد من تكاثف الإسرائيلين مع بعضهم ومع حكومتهم وسيزيد بدون شك من تقديم الدعم السياسي والعسكري لهم.

وإيرانيا عندما تعلق الأمر بالرد الإنتقامي للضربة الاسرائيلية ظهرت القيادة السياسية الدينية بشكل مختلف وكأنها تقول بأن قنصليتها جزء من هيبتها ولها الحق في إطلاق صواريخها ومسيراتها للرد , في حين لا تزال تستنكر وتندد ما يجري في غزة وأخواتها منذ أشهر وهي تتعرض كل يوم لمزيد من الغارات وعمليات الإجتياح وهنا ظهر الفرق بين ردود الأفعال والشعارات فهنا ايران  تندد ولا مسيرات ولا صواريخ للرد وهناك الموقف مختلف والموقف سيختلف بعد هذا الهجوم ولكن لصالح من هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.