علي الهاشم – باحث ومختص بمجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية
ما أن أعلنت القوات المسلّحة اليمنيّة الموالية لحركة أنصار الله الحوثييّن دخول الحرب إلى جانب الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة رسميًا في الحادي والثلاثين من اكتوبر ٢٠٢٣، حتى بدأت بإطلاق دفعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والجوالة والطائرات المسيرة باتّجاه إسرائيل، وفي التاسع عشرمن نوفمبر من العام نفسه، أعلنت القوات المسلحة اليمنية الموالية لحركة أنصارالله احتجاز سفينة غالاكسي ليدر وعلى متنها ٢٥ فردًا بعد أن نفذت عليها عملية إنزال جوي على ظهرها باستخدام مروحية (هليكوبتر) من طراز Mi-17. ومن هنا بدأت ازمة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث بدأ الحوثي و اتباعه استهداف السفن والملاحة البحرية للدول التي يعتقد انها تتعامل مع الكيان الصهيوني.
أبرز ما يلفت النظر هو استخدام الحوثي لسلاح غير مألوف لمهاجمة السفن الغربية يتمثل في الصواريخ البالستية.
وقد صرح حديثا قائد إحدى السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية ضمن ما يعرف بمبادرة حارس الازدهار كما اطلقت عليه واشنطن، من ان استخدام صواريخ بالستية والتي تكون في الغالب لضرب أهداف ارضية، يعد سابقة للحوثي من ناحية المبادرة وليس الابتكار للمفهوم، فاستخدام الصواريخ البالستية لمهاجمة سفن السطح و خصوصا حاملات الطائرات ومجموعتها القتالية ليس وليد اليوم، بل تعود جذورها الى حقبة الحرب الباردة التي كانت ما بين الاتحاد السوفياتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو.
يعتبر الاتحاد السوفياتي اول من وضع مفهوم استخدام الصواريخ البالستية كاسلحة مضادة لسفن السطح و المجموعة القتالية و خصوصا حاملات الطائرات الامريكية، نظرا لتفوق الامريكان بهذا المجال (عدد حاملات الطائرات ومجموعاتها القتالية المرافقة لها)، وتمثل ذلك بصاروخ R-27K السوفياتي ذو الرأس النووي الحراري. الا ان افتقار هذا الصاروخ للدقة و تعرضه للاعطال حال دون استخدامه نظرا لكلفة صيانته المترفعه وقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التصدي للسفن او الغواصات التي تطلقه.
لكن الصين حديثا وجدت ان هذا المفهوم يعد سلاحا رادعا للتصدي للهيمنة التي يفرضها زخم البحرية الأمريكية. ومن هنا قامت الصين بتطوير صاروخ بالستي مضاد لسفن السطح يطلق عليه ASBM وهي اختصارا Anti-Ship Ballistic Missile وحمل الرمز DF-21D او Dong Fing 21D
العقيدة العسكرية الجديدة للصين
أدركت الحكومة الصينيه بعد ان ضربت سفارتها في بلغراد عام ١٩٩٩ اثناء الحرب الصربية مع الناتو ان الوقت قد حان للعمل على تطوير انظمة تسليح متقدمة لمواجهة ما لدى الولايات المتحدة الأمريكية والناتو فتم وضع خطة بذلك اطلق عليها برنامج 995 حيث أن ٩٩ ترمز للسنه وهي ١٩٩٩ و ٥ لشهر مايو بتلك السنه لتلك الحرب.
ركزت الخطة او البرنامج على تطوير اسلحة هي أكثر ما يخشاها الغرب او تكون مصدر قلقه الرئيسي حيث انتهجت الصين عقيدة عسكرية تهدف الى المواجهة اللاتماثلية او asymmetric بدلا من السعي الى مجاراة الغرب بالتكنولوجيا المكلف جدا وهو ما ارهق الاتحاد السوفياتي السابق و للاسف استمرت به روسيا رغم الفجوة الكبيرة التي بينها وبين ما لدى الغرب من تقدم في مجال تطوير البرامج العسكرية المتقدمة.
وكما يقول الجنرال العريق سن تزو في كتاب فن الحرب: اهجم على نقاط الخصم الضعيفة وتجنب المواجهة معه بتلك القوية.
وبالتالي يجب تسخير كافة الموارد حتى تلك الاسلحة الاقل تقدما من تلك التي لدى الخصم اذا ما اديرت واستخدمت بشكل فعال وفق خطط واستراتيجيات سليمه يمكنها إيقاع خسائر فادحه به حتى مع تفوقه تكنولوجيا فالحرب في نهاية الامر ما هي إلا.. خدعه!
ولهذا تم تطوير صواريخ مضادة للاهداف البحرية عالية القيمة خصوصا حاملات الطائرات الامريكية التي هي مصدر القوة والركيزة الأساسية لنفوذها العالمي.
ومن هنا ظهر مفهوم active defense الدفاع النشط او offensive defense الدفاع الهجومي فخير سبيل للدفاع هو الهجوم.
صواريخ دونغ فينغ الصينيه
ابتكرت الصين صاروخا بالستيا مخصصا لاقتناص وتدمير حاملات الطائرات اطلق عليه DF-21 وهو صاروخ بالستي معدل كي يستخدم ضد سفن السطح وتحديدا حاملات الطائرات العملاقة كالتي لدى الولايات المتحدة. وهو مزود برأس شديد الانفجار ويبلغ مداه من ٢٠٠٠ إلى ٢٧٠٠ كلم وقد يصل النموذج المطور منه DF-26 مداه إلى ٤٠٠٠ كلم وبسرعة انقضاض تبلغ ١٠ اضعاف سرعة الصوت الأمر الذي قد يصعب على منظومة ايجيس المرافقة للحاملة للدفاع عنها من اعتراضه نظرا لسرعته الفرط صوتية.
وقد باشرت الصين بهذا النوع من الصواريخ كرد على عدم امتلاكها العدد الكافي من حاملات الطائرات (٢ فقط والثالثه ستدخل الخدمة حديثا) و كإجراء رخيص الثمن بالمقارنة مع كلفة الحاملات الهائلة وكلفة تشغيلها التي تستنزف ميزانيات ضخمة من الأموال.
العقبات للجانب الصيني
هناك شكوك في محلها من ناحية آلية التوجيه بالنسبة للصاروخ او الرأس الحربي المناور للصاروخ الصيني من فئة DF-17 و DF-21D و DF-26.
فلكي يتم اصابة حاملة طائرات في مقتل ينبغي أن يتم استخدام الكثير من الاستخبارات والتوجيهات الى جانب انظمة الرصد حيث يلعب الرصد المتقن الى جانب المعطيات الدقيقة دورا هاما في تحقيق الإصابة المباشرة للهدف خصوصا اذا علمنا انه هدف متحرك كحاملة طائرات وليس هدفا ثابتا.
هناك حاجة الى وجود نظام رصد وتوجيه للراس الحربي مثل ما هو هناك انظمة توجيه خارجيه.
مشكلة انظمة الرصد كالرادار داخل الرأس الحربي انه لا يتمكن من الرصد اثناء مرحلة الدخول الى الغلاف الجوي حيث أن تكون البلازما (تأين الهواء) نتيجة الاحتكاك اثناء الدخول يجعله في حالة عمى تام وبالتالي رغم سرعته الهائلة فان اي مناورة من قبل المجموعة القتالية للحاملة تعني أن الهدف قد انحرف ولن يتمكن الرأس الحربي من إصابته.
من اجل ذلك قد تعمد الصين الى تثبيت عدة انظمة مساعدة بالقرب من الهدف مثل مجسات التنصت لحركة السفن تحت الماء لإعطاء رقعة تهديف اكثر دقة، هذا الى جانب رادارات ما وراء الافق OTH والاقمار الصناعية التي تعمل بالرادار الى جانب تلك الراصدة بالاشعة تحت الحمراء.
ايران تدخل المجال
نظرا لوجود تقارب روسي صيني و كوري شمالي مع ايران حيث يشكلون دولا معادية للولايات المتحدة الأمريكية تحديدا ثم لدول حلف الناتو، استفادت ايران من برنامج تطوير الصواريخ البالستية و سخرت جزء منها من اجل التصدي هي الاخرى لقوة حاملات الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية. وقد قامت ببناء هيكلا مطابقا بالحجم لهيكل حاملة الطائرات الامريكية و قامت بالتدرب عليه تماما كما فعلت الصين، مما يبين أن هناك تنسيقا في تبادل الافكار فيما بين البلدين.
ولأن ايران تعلم جيدا انها لن تتمكن من مواجهة زخم القوة العسكرية الأمريكية مباشرة، استغلت الحرب في اليمن عبر دهم الحوثي و قامت بإنشاء خطوط تجميع للاسلحة هناك بنيت في مواقع داخل الجبال و تحت الأرض تماما كتلك التي لديها، و أشرفت على ذلك عبر حرس الثورة مباشرة بل و قامت هي باستخدام الاراضي التي تخضع للحوثي باليمن لاطلاق اسلحتها من هناك.
يعتقد ان ما يقوم باطلاقه الحوثي حاليا كصواريخ بالستية مضادة للسفن هي من نوع صاروخ Emad “عماد” المتوسط المدى الذي تم تطويره حديثا وهو نسخة مطورة من صاروخ (Ghadr) “قدر” الى جانب مجموعة صواريخ ذو الفقار على السفن بالقرب من مضيق باب المندب.
حيث يتميز صاروخ عماد برأس ذو زعينفات (جنيحات) رباعية وهي تعمل على التحكم بالرأس الحربي فور دخوله الغلاف الجوي الى جانب منافث متغيرة الزاوية التي يمكنها تغيير وجهة الصاروخ اثناء وجوده خارج الغلاف الجوي حيث لا يمكن للاسطح الايروديناميكيه العمل هناك.
ويبلغ وزن راسه الحربي ٧٥٠ كلغ ويتم توجيهه عند دخول الغلاف الجوي بواسطة مجس يعمل بالاشعة تحت الحمراء ولديه القدرة على المناورة لتفادي الصواريخ المضادة للصواريخ مثل باتريوت و ربما ثاد حسب زعم الايرانيين وتبلغ دقة إصابته في حدود ١٠ امتار مما يجعله ضمن خانة الاسلحة التكتيكية الدقيقة ويبلغ مداه ١٧٠٠ كلم وسرعته القصوى ١١ ماخ او ١١ الف كلم / س.
اما مجموعة صواريخ ذو الفقار فهي صواريخ متوسطة المدى ومنها يدعى (ديزفول)، يمكن نقلها بواسطة شاحنات اطلاق خاصة مما يصعب على الخصم البحث عنها وتدميرها ويصل مداها الى الف كلم وتعمل بالوقود الصلب وتبلغ دقتها ٥ امتار في حقل دائرة وذلك بسبب استخدام نظام الملاحة بالقصور الذاتي و GPS.
لكن إذا كانت الصين وهي التي يعتقد انها المتفوقة بمجال الصواريخ البالستية المضادة للسفن قد واجهت عقبات في زيادة دقة هذه الصواريخ لضرب اهدافها والتي هي عادة متحركة وليست ثابتة، فإن الامر اكثر تعقيدا بالنسبة لإيران وحليفها الحوثي ولهذا تجاهد سفينة الاستخبارات والتجسس الإيرانية التي عهد بها تحديد السفن المراد ضربها لصالح الحوثي، من اجل توفير توجيه دقيق للتعاطي مع هذه الأهداف.
الرد الأمريكي!
في الوقت الحالي لدى الولايات المتحدة الأمريكية منظومتي دفاع جوي مضاد للصواريخ غاية في التطور. الأولى بحرية ويعود برنامجها إلى منتصف الثمانينات بينما الثانية أرضية وحديثة العهد وكلاهما من صنع شركة لوكهيد مارتن العريقة. وتركز كلا المنظومتين على اعتراض الصواريخ البالستية وهي خارج الغلاف الجوي وقبل ان تدخل اليه وذلك لمنع راسها الحربي من التملص عبر المناورة من صاروخ الاعتراض.
تعتبر منظومة Aegis / ايجيس احد اعقد الأنظمة الدفاعية والهجومية على حد سواء في التاريخ. فهي عبارة عن منصة قتالية تتضمن صواريخ دفاع جوي وفضائي على حد سواء وكذلك أنظمة صواريخ جوالة مضادة للاهداف الأرضية و صواريخ أخرى مضادة للسفن وطوربيدات مضادة للغواصات كل في جوف سفينة حربية واحدة.
ترتبط منظومة Aegis بمجموعتها القتالية Battle Group المرافقة عادة لحاملات الطائرات ويمكنها العمل لوحدها بوصلة بيانات قادرة على العمل كمركز للقيادة.
وتعدى ذلك عبر ربطها بمنظومة ثاد THAAD العتيدة المضادة للصواريخ وبالتالي بإمكان ايجيس التنسيق مع تلك المنظومات عبر التصدي لوابل متنوع من الصواريخ البالستية والتكتيكة وحتى صواريخ كروز المعادية التي قد يطلقها العدو دفعة واحدة.
ويتميز صاروخ الايجيس بانه قادر على التعامل مع الأهداف خارج الغلاف الجوي اي قبل دخولها إلى الغلاف الجوي وحتى الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات منخفضة حول الأرض وسبق أن اختبرت ذلك بنجاح.
اما منظومة ثاد فإنها تتعامل مع الأهداف عند عتبة الغلاف الجوي او الحد الفاصل إلى الفضاء بارتفاعات شاهقة جدا.
ويمكن لايجيس ان ترتبط بتلك المنظومات لتشكل مظلة للوقاية من الصواريخ المعادية بل في حالة تعرضها لهجوم من وابل من الصواريخ المعادية يمكنها آليا دون تدخل بشري من إطلاق صواريخ مضادة للصواريخ وبنفس الوقت صواريخ جوالة كروز ضد مراكز إطلاق تلك الصواريخ المعادية وتدميرها بشكل منسق وبالغ الدقة.
انظمة التضليل
هناك ايضا إجراءات أخرى يمكن استخدامها من قبل البحرية الأمريكية عند التعرض للصواريخ البالستية المضادة للسفن من طراز DF-21D و DF-26 الصينية تتمثل في انظمة التضليل التي تتالف من درونات تحويم تضليلية من طراز Nulka decoy التي يمكنها التحويم مدة طويلة نسبيا حول الحاملة او سفينة السطح مع بثها لترددات تشبه تلك التي لسفن السطح او الحاملة تماما بحيث يصعب التفريق بينها وبين الحقيقية.
وهناك ايضا المضللات التي تطلق بالبحر فتحاكي مخر (wake turbulence) السفن فتضلل المقذوفات.
في نهاية المطاف، صحيح أن انظمة التصدي لصواريخ الحوثي مكلفة الا انها نجحت في تحييد خطرها و تقليصه، لكن هذا ينقلنا الى حرب جديدة اشبه بحرب الناقلات التي خاضها كلا من العراق إبان حكم صدام و ايران خلال حربهما التي استغرقت ٨ سنوات، وهو قد يقود العالم الى مزيد من الأضرار الاقتصادية و انتكاسة اخرى للتجارة العالمية.