اشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الى إن التركيز الأميركي على كشف المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأوكرانيا، يمثل جبهة جديدة في حرب المعلومات الأميركية مع روسيا. فمن أجل مواجهة الكرملين، صادق جو بايدن على مبادرة لنزع السرية عن المعلومات ومشاركتها مع الرأي العام والحلفاء.
وفي تقرير أعده وارين بي ستروبل، قال إن المسؤولين الأميركيين قاموا عندما حشدت روسيا قواتها على الحدود مع أوكرانيا بداية كانون الأول، بالنظر إلى عدد من الخرائط السرية التي كشفت عن الحضور العسكري الروسي. وقدمت الإدارة الأميركية نسخة من الخرائط المرفقة بنص إلى صحيفة “واشنطن بوست” نشرتها في 3 كانون الأول، قبل أيام من المكالمة الحادة بين الرئيس بايدن والزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
وكان نشر الخرائط الذي خلط بين عملية جمع المعلومات السرية والصور التجارية الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، بمثابة بداية جهود غير مسبوقة من الإدارة الأمريكية لاستخدام المعلومات السرية لتشكيل معركة أوروبا الأكثر دموية منذ عقود. وقالت إن النهج الجديد الذي قام على التشارك في المعلومات الأمنية التي اقتصرت في العادة على صناع السياسة وتضمنت تحديثا مستمرا للوجود العسكري الروسي على الحدود، وتقديم تفاصيل عن محاولة روسية للقيام بعملية تبرر فيها الغزو، وحتى ما سرب للصحافة في الأسبوع الماضي عن وجود نزاع بين بوتين وجنرالاته.
وأطلق مسؤولو البيت الأبيض على هذه الإستراتيجية اسم “التخفيض والمشاركة”، ويعني التخفيض تنزيل مرتبة السرية عن المعلومات والبيانات. ويقول المسؤولون الأميركيون إن التكتيكات التي استخدمها الأميركيون لم تمنع الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن هناك أدلة على أن استخدام المعلومات الاستخباراتية في المجال العام، كانت فاعلة بطرق أخرى.
واوضحوا إنها منعت بوتين من اللجوء إلى “الراية الزائفة”، أي عملية مسرحية من موسكو يلقي اللوم فيها على أوكرانيا كمبرر للحرب، وربما أخّرت عملية الغزو بشكل أعطى كييف وقتا كافيا للتحضير.
وقال الجنرال السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، غلين غيرستيل: “أعتقد أنها مؤشر للنزاعات في المستقبل التي ستتشكل وتثار ويتم ردعها بهذه الطريقة من خلال نشر المعلومات مقدما”. ويعود قرار نزع السرية عن المعلومات الأمنية للعام الماضي، عندما قام بايدن بتوقيعه. وكان مستشاره للأمن القومي جاك سوليفان، المهندس للعملية والمشرف عليها بدعم من وزير الخارجية أنطوني بلينكن ومدير “سي أي إيه” ويليام بيرنز، ومديرة الاستخبارات القومية أفريل هينز، حسبما قال مسؤولون أمريكيون. وأضاف مسؤول بارز، أن المبادرة التي وقّعها بايدن في تشرين الثاني خرجت من عملية تشارك موسعة بالمعلومات الأمنية مع الحلفاء الأوروبيين.
وهدفت العملية العابرة للأطلنطي للتأكد من أن واشنطن وشركاءها في أوروبا لديهم نفس التصور بشأن الحشود العسكرية الروسية وتقوية العزيمة للتحرك إن اقتضى الأمر. وفيما يتعلق بإقناع الحلفاء بشأن التهديد، فإن التشارك بالمعلومات أسفر عن نتائج متباينة. فقد تلقى الحلفاء الأوروبيون باستثناء بريطانيا الفكرة بشك، حسبما قال مسؤول أمريكي. وعلق مدير الاستخبارات الألمانية “بي أن دي” في كييف، وكان يجب إجلاؤه برا مع بداية الغزو.
واوضح مسؤول أوروبي إن فرنسا اعتقدت باستخدام روسيا التهديد ولن تغزو أوكرانيا. وهو ما دفع مدير الاستخبارات الفرنسية للاستقالة الأسبوع الماضي. وكان على إدارة بايدن الموازنة بين تحذيرها من الخطط الروسية واتهامها بإثارة الفزع. ففي خريطة كانت الإدارة تعدها للنشر عن التجمع العسكري الروسي قرب الحدود الأوكرانية واحتوت على سهم أحمر يحدد المكان الذي ستخترق فيه القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، إلا أن بعض المسؤولين اقترحوا أن الغزو ربما كان محتوما. ولهذا قرروا عدم نشرها واستبدلت بأخرى حددت مكان تجمع القوات الروسية بدوائر.
ووصف مسؤولون استعداد المسؤولين في الاستخبارات لمشاركة المعلومات السرية بأنه تحول عظيم، ففي عام 2014 لم تكن الولايات المتحدة قادرة على الكشف عن تحرك القوات الروسية في أوكرانيا وتوغلها في دونباس. وقال مسؤول أمني إن “إقناع المجتمع الاستخباراتي بنزع السرية عن أي شيء يشبه محاولة انتزاع سن”.
وفي الوقت الذي تم فيه تقديم إيجازات للمشرعين في لجنتي الاستخبارات بمجلس الشيوخ والنواب، إلا أنه لم يقدم لهم أي إشارة عن نشر المعلومات حسب السيناتور الديمقراطي مارك وورنر، رئيس لجنة الاستخبارات. إلا أنه عبّر عن دعمه للسياسة لأنها تخرجهم من قوقعتهم و”لاعتقادي أنها فعالة فيما يتعلق بحشد الدعم ومفاجأة بوتين”. وأضاف أنه عبّر عن دهشته من النهج، وأن “الغرب ربما انتصر في حرب المعلومات أخيرا”، في إشارة للضربات التي تلقتها أمريكا والغرب من عمليات التضليل التي مارسها الكرملين بما في ذلك التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
إلا أن الوضع كان مختلفا في شباط الماضي، عندما زعمت الإدارة الأميركية أن موسكو ستقوم بهجوم مزيف على قواتها وتحميل المسؤولية لأوكرانيا، وتم نشر المعلومات بصور فيديو تظهر الجثث. وتم تلقي المزاعم بالشك والمطالبة بمزيد من الأدلة، وقورنت بمزاعم إدارة جورج دبليو بوش وتلاعبها بالمعلومات التي بررت فيها غزو العراق عام 2003. وعلق مسؤول ثان بالقول: “لماذا علينا الثقة بكم بعد العراق” والذي كان فشلا أمنيا. مضيفا: “أفضل ترياق لذلك الشك، هو أننا كنا مصيبين”.