تقنيات تعديل الجين البشري: استخدام سلمي أم نوع جديد من الأسلحة الفتاكة؟

تقنيات تعديل الجين البشري: استخدام سلمي أم نوع جديد من الأسلحة الفتاكة؟
تقنيات تعديل الجين البشري: استخدام سلمي أم نوع جديد من الأسلحة الفتاكة؟

أ.د. غادة عامر
وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث- جامعة بنها
زميل ومحاضر كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا

رغم الإمكانات الفتاكة للأسلحة البيولوجية، ورغم أنه في عام 1945م اعترفت ستة دول علنًا بتطوير وامتلاك الأسلحة البيولوجية، ورغم وجود أدلة كافية في أنه يوجد اثنا عشر دولة أخرى أو أكثر لديهم معمل على الأقل لإنتاج الأسلحة البيولوجية، ظل استخدامها في أضيق الحدود، وذلك بسبب الخوف من عدم السيطرة على انتشارها، والخوف من احتمالية أن تكون مدمرة على نطاق عالمي واسع. لذلك كان هناك ضغط دولي لحظر هذا النوع من الأسلحة، والتي أصبحت بموجب العديد من الاتفاقيات محظورة عالميًا، مثل اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972م التي وقع عليها إن الغالبية العظمى من الدول (180 دولة) والتي تحظر تطوير وتخزين واكتساب والاحتفاظ بالعوامل البيولوجية لأغراض غير سلمية.

جندي أمريكي يُجري مسحًا لقزحية العين لرجل عراقي أثناء حملة تجنيد للجيش العراقي في مدينة الرمادي (أسوشيتد برس)
جندي أمريكي يُجري مسحًا لقزحية العين لرجل عراقي أثناء حملة تجنيد للجيش العراقي في مدينة الرمادي (أسوشيتد برس)

إلا أنه مع التطورات الأخيرة في التكنولوجيا البيولوجية من تغيير وإعادة ترتيب الجينات (تحرير الجينات) مثل تقنيات “كريسبر CRISPR”، التي هي وبكل بساطة، تمثل الأدوات والتقنيات التي يستخدمها علماء التكنولوجيا الحيوية لتحرير الجينوم – أي DNA أو RNA للنباتات والحيوانات والبكتيريا- أعاد فكرة امتلاك الأسلحة البيولوجية لدول عديدة. وعلى الرغم من وجود الإصدارات الأقدم من تقنية تحرير الجينوم منذ عقود، لكن في عام 2013م قدمت تقنية كريسبر تحسينات كبيرة في السرعة، والتكلفة، والدقة، وكفاءة تحرير الجينوم. فقد أصبح العلماء قادرين باستخدامها على تعديل الحمض النووي للكائن الحي بكفاءة ومرونة ودقة أكبر من أي وقت مضى. إن هذه التقنية يمكن أن تكون مفتاح خير يحل مشاكل وأمراض كثيرة تواجه البشرية، فهي توفر إمكانات هائلة للصالح العام إن استخدمت بشكل صحيح، فهي تستخدم لإصلاح الطفرات الجينية المميتة، ولديها القدرة على تصحيح العيوب الجينية وعلاج الأمراض ويمكن استخدامها في إنشاء محاصيل مقاومة للأمراض، وفي علاج السرطان، ومن القضاء على الجينات المعطوبة التي تسبب الأمراض والحالات الموروثة، مثل “هنتنغتون” أو متلازمة “داون” أو “باركنسون”، وقد قام العلماء في جامعة هارفارد بعمل تطبيقات طبية كان يُعتقد في السابق أنها بعيدة المنال باستخدام هذه التقنيات، مثل تقليل اثار تقدم السن وزرع أعضاء من الحيوانات في البشر.

لكني أعتقد أنه ليس من الصعب تخيل كيف يمكن استخدم تلك التقنيات بشكل خطير، فأبسط شيء يمكن أن يكون خطير وغير أخلاقي أنه يمكن لبعض المختبرات، التي تناشد غرائز الآباء لتقديم مزايا لأطفالهم، بتعديل الأجنة بطرق تتجاوز الحدود الأخلاقية. والأخطر وصول تلك التقنيات إلى يد الدول المارقة او الإرهابيين، فيمكنهم باستخدامها تطوير مسببات الأمراض الأكثر فتكاً، ويمكنهم تطوير مسببات أمراض جديدة أو معدلة من شأنها أن تنتشر بسرعة أكبر، وتصيب المزيد من الناس، وتسبب المزيد من الأمراض لمن يعانون من مرض معين، أو تقاوم أي نوع من العلاج بشكل كامل. إن تقنية تحرير الجينات “كريسبر” يمكن أن تسمح للعلماء بتطوير أسلحة بيولوجية قادرة على التمييز بين السكان المستهدفين على أساس الخصائص العرقية أو اللون أو غيرها من الخصائص المحددة وراثيا. وفكرة استخدام الأسلحة البيولوجية في النزاعات العرقية ليس بالفكرة الجديدة، بل أنها استخدمت من قبل، مثلا: في السبعينيات أدخلت وكالة المخابرات في روديسيا (دولة زيمبابوي حاليا) الكوليرا في الآبار في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون القوميون السود. وفي عام 1981م، أطلقت حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا مشروع الساحل ” Project Coast”، الذي يعتقد أنه استخدم الوسائل البيولوجية لاغتيال المعارضين. وأيضًا لإعطاء لقاح مضاد للعقم انتقائيًا للنساء السود. هذه الأمثلة تعطي فكرة إلى ان هناك تفكير منذ مدة لإنتاج أسلحة بيولوجية موجهه إلى عرق او مجموعه محددة.

أيضا في نوفمبر 1998م ذكرت صحيفة صنداي تايمز أن إسرائيل كانت تحاول بناء “قنبلة عرقية” تحتوي على عامل بيولوجي يمكن أن يستهدف على وجه التحديد السمات الجينية الموجودة بين السكان العرب. كما نشرت Wired News نفس التقرير بل أضافت أن تحرير الجينات قد يسهل تنفيذ الاغتيالات المستهدفة، فيمكن أن تقوم الحكومة بتحرير جينات الفيروس القاتل بحيث تؤثر على هدف واحد فقط بناءً على شيفرته الجينية. وفي عام 2004م ذكرت صحيفة الجارديان أن الجمعية الطبية البريطانية (BMA) اعتبرت الأسلحة البيولوجية المصممة لاستهداف مجموعات عرقية معينة أمرًا ممكنًا، وفي مايو 2007م ذكرت صحيفة كوميرسانت الروسية أن الحكومة الروسية منعت جميع صادرات العينات البيولوجية البشرية. حيث كان سبب الحظر تقرير وحدة خدمة الأمن الفيدرالية الروسية FSB السري حول التطوير المستمر لـ “الأسلحة البيولوجية الجينية” التي تستهدف السكان الروس من قبل المؤسسات الغربية.  وفي عام 2008م عقدت حكومة الولايات المتحدة لجنة في الكونجرس بعنوان “علم الوراثة وغيرها من تقنيات التعديل البشري: استخدام سلمي أم نوع جديد من سباق التسلح؟”، نوقشت خلالها كيف يكون التلاعب في علم الوراثة البشرية بطرق من شأنها قتل البشر او الاضرار بالمجتمعات لو وقعت في يد المارقة من الدول والجهات الفاعلة من غير الدول. في عام 2016م اقترحت مجلة “فورين بوليسي” إمكانية استخدام فيروس كسلاح بيولوجي عرقي يمكن أن يعقم أي سكان مرتبطين عرقيا ووراثيًا. لكن الأخطر واللافت للنظر أنه في عام 2012م كتب في مجلة الاطلنطي أنه ممكن لفيروس أن يستهدف الأفراد الذين لديهم تسلسل معين من الحمض النووي، وأنه تم البدء في اختبار هذه التقنية. وطرحت المجلة سيناريو “افتراضي” لفيروس يسبب انفلونزا خفيفة لعامة السكان، ولكن أعراضه كانت قاتلة لشخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية فقط!!!!

<strong>أ.د. غادة عامر</strong>
أ.د. غادة عامر

الأستاذ الدكتور غادة عامر هي وكيل كلية الهندسة للدراسات العليا والبحوث بجامعة بنها، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للعلوم والتكنولوجيا ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا. تشغل عددًا من المناصب الاخرى، مثل مدير مركز الابتكار وريادة الأعمال في اكاديمية البحث العلمي – مصر، ومدير مركز الابتكار وريادة الأعمال في جامعة بنها، والرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لمختبر الابتكار ASTF، والرئيس السابق لقسم الهندسة الكهربائية بجامعة بنها والمدير التنفيذي للأوقاف العالمية. كما اختيرت لتكون ضمن أحد أعضاء لجنة تحكيم جوائز” رولكس” للابتكار بسويسرا.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*